هشام عبد العزيز
كاتب مصري
TT

الأستاذ سمير عطا الله.. انظر تحت كلمة «صمت»

في مقال نشرته «الشرق الأوسط» بتاريخ 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2015 بعنوان «سقوط السياسة»، حدثنا كاتبنا الكبير سمير عطا الله عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر، مؤكدًا أن المصريين «ظلّوا عقودًا يطالبون بالديمقراطية. ولما نودي عليهم، فضّلوا البقاء في بيوتهم، أو الذهاب إلى الحدائق، أو النوم»، وأن «الربيع (العربي) هو الذي ألغى من نفوسنا الرغبة في حق الاختيار. وهو الذي ألغى فينا الأمل بإقامة حياة مشابهة للآخرين في ظل القانون وأحكامه».
ولم ينسَ الأستاذ عطا الله أن يعرّج على العالم العربي كله، مشيرًا إلى أن السياسة في العالم العربي «سقطت»، وذلك «بعدما حوّلها (الربيع) إلى ثمار فاسدة. وسقط معها الأمل بالحلم والتغيير. وضاعت الشعارات الجميلة بين أقدام الكذبة والهمج».
وبغض النظر عن اتفاقي أو اختلافي المبدئي مع الأستاذ سمير في مقولاته التي طرحها ويطرحها كثيرًا بخصوص «الربيع العربي»، فقد ذكّرني كلامه هنا بمجموعة من المقالات كتبها واحد من رواد النهضة العربية أواخر القرن التاسع عشر، هو الشيخ محمد عبده، الذي لاحظ وقتها أن المصريين يقبلون على قراءة مجموعة من كتب التاريخ غير المعتبرة، في نظره، التي تحمل كثيرًا من الأغاليط والأكاذيب والأوهام، مثل سيرة الزير سالم وأبو زيد الهلالي وعلي الزيبق. وما هال الشيخ محمد عبده وقتها أن هذه الكتب تُطبع في مطابع مصر المحروسة أسبوعيًا.. ولأن الإمام يخاف على «وعي الناشئة» ويريد أن يوجههم لقراءة التاريخ المعتبر، فقد نصحهم بقراءة تاريخ ابن خلدون والمسعودي.
نسي الإمام - وهو العارف - أن يذكّر قراءه برأي ابن خلدون في المسعودي، وهو بالمناسبة لا يختلف كثيرًا عن رأي الإمام محمد عبده في السير الشعبية.
أما الرابط بين كلام الإمام وكلام الأستاذ، غير أن كلا الموقفين كان عقب «ربيع»، أن الاثنين تجاهلا النظر وراء موقف المصريين:
لم يسألا: لماذا؟ وهو السؤال البديهي في الفقه والصحافة على حد سواء..
لماذا أقبل المصريون على البطولات «الزائفة»؟
لماذا فضّل المصريون البقاء في منازلهم أو النوم أو الذهاب إلى الحدائق؟
هل هناك صلة بين شغف المصريين الزائد بالهلالي والظاهر والزيبق والزير في نهاية القرن التاسع عشر، واختفاء عرابي وراء بحار المنافي؟
وهل شعر المصريون بلا جدوى خروجهم لانتخابات شموا وسمعوا ورأوا ولمسوا أنها لا تنتظر أصواتهم المبحوحة، ولا أرجلهم التي ملّت الطوابير؟
يبدو لي أن موقف المصريين من كتب التاريخ المعتبرة للإمام محمد عبده، كان تجاهلهم واحتقارهم لسلطة رسمية فاسدة، فصنعوا أبطالهم بأنفسهم، واحترموهم، وكتبوا عنهم، وتابعوا أخبارهم في المقاهي وعلى ألسنة الشعراء..
أستاذ عطا الله، هل يصلح التجاهل لوصف الحالة المصرية اليوم؟
ربما لا.. هل يصلح أن ننظر تحت كلمة لا مبالاة؟ ليست دقيقة..
كراهية؟ غضب؟ أم صمت؟
نعم، إنها بلاغة الصمت..
أستاذ عطا الله، في الحالة المصرية الآن، أرجوك.. انظر تحت كلمة صمت..