هشام عبد العزيز
كاتب مصري

أسطورة «صيدنايا».. بين جوستنيان وبشار الأسد

تحكي كتب التاريخ عن الإمبراطور جوستنيان (القرن السادس الميلادي) الذي ذهب في رحلة إلى القدس، وقبل أن يصل إلى بغيته استراح في منطقة جبلية تعلو عن سطح البحر بنحو 1500 متر.. في هذا المناخ الطيب خرج الإمبراطور لاقتناص المتعة والصيد، فظهرت له غزالة. طاردها.. تحكي المخيلة الشعبية أن الغزالة تحولت إلى امرأة بيضاء غضّة كأنّها برج فضّة. قال بعضهم إنها العذراء مريم. أمرته أن يبني ديرًا في المكان نفسه. استجاب الإمبراطور وحقَّقَ رغبتها..

الانقلاب التركي في العالم العربي

لم يكن مستغربًا لدي ولا لدى كثيرين غيري ما حدث في تركيا في منتصف يوليو (تموز) الماضي.. لا محاولة الانقلاب على أردوغان ونظامه كانت مستغربة ولا فشلها كان مستغربًا..

«ادعوا لعمكم الكذاب»

في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري عاش في العراق واحد من العباد يدعى أبو الحسن سمنون بن حمزة الخواص (ت 298هـ)، كان الرجل زاهدا في عَرَض الدنيا يكتب أشعاره في محبة الله، حتى لقب بـ«سمنون المحب».. ترك الرجل دنيانا تمامًا وتفرّغ لله، وكان يتمنى ابتلاء الله. وكان يقول دائمًا مناجيًا ربه: «كيفما شئت فامتحني؛ فليس لي في سواك حظ».. وقد استجاب الله لسمنون المحب.. نعم، لقد ابتلاه الله تعالى كما طلب وتمنى.. ابتلاه بعسر البول..

أنْ تكونَ أستاذًا..

أن تكون أستاذًا.. إنه شرف لا ينبغي لأحد أن يدعيه بيسر، لأنه عبء لا يُحمل إلا بصعوبة لا أعرف لماذا تنتابني في الآونة الأخيرة ذكريات أساتذتي العظام الذين شكلوا ملامح روحي ووسعوا فضاءات عقلي.. لا فرق في ذلك بين الشيخ عبده مرعي الذي حفّظني كتاب الله والأستاذ حامد شاكر والأستاذ بدر عبد الشافي والأستاذ محمد حلمي أساتذتي في المرحلة الابتدائية. والدكتور سعد مصلوح والدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي والدكتور نصر أبو زيد والدكتور سيد البحراوي، والدكتور سليمان العطار، والدكتورة ثناء أنس الوجود والأستاذ سعيد عبد الفتاح في دراساتي العالية وما بعدها.

لا تدافعوا عنا.. و«فضوها سيرة»

ساقتني صدفة مؤخرًا، لأكون أحد المستمعين لما يتداوله الباحثون في منتدياتهم، بعد اعتزال اختياري طال بعض الشيء، فإذا بالحديث كما تركته منذ سنوات: رصين وجاد وذو شجون.. لكنه في مجمله لا يعي اللحظة التاريخية الحادة التي يحياها الإنسان العربي، ولا أبالغ إن قلت إنها لحظة فارقة في تاريخ البشرية بشكل عام. الصدفة الأكثر دلالة أن المتحدثين على منصة الكلام كانوا ثلاثة باحثين: لبنانية ومغربية وكويتي، فيما يستمع (نخبة) من المثقفين المصريين والسودانيين والتونسيين وغيرهم، بما يجعل تأمل اللحظة دالا جدا، وكأنهم حالة للدرس.. ولن أقول أين، فالمكان ليس دالاً بقدر دلالة ما تقدم ذكره.

يوسف زيدان «يتكلم في غير فنه».. وهو يعرف

«إذا تكلم المرء في غير فنه أتى بمثل هذه العجائب». قديما قال الإمام ابن حجر العسقلاني هذه الحكمة عندما تكلم أمامه من لا يفقه. أعلم الآن مقدار ما عاناه الرجل من ألم وحسرة، حين اضطر إلى أن يقول هذه العبارة الموجزة المرة.. لا شك لم يكن ما سمعه أكثر تهافتًا من كلام السيد يوسف زيدان، حيث أنكر علاقة المسجد الأقصى بالقدس المحتلة بواقعة الإسراء والمعراج، مشيرا إلى أن المسجد الأقصى الذي ورد في آية سورة الإسراء هو «مسجد الجعرانة» شرق مكة. وربما كان الفارق الجوهري بين جاهل العسقلاني وصاحبنا أن الأول لم يكن يعلم أنه جاهل. أما صاحبنا فـ«يعجن» في العلم، وهو يعلم أنه «عاجن».

أيها الغرب العظيم..

أرجو ألا يسجل المؤرخ المعاصر في مدونته أن العالم انتفض بعد كارثة باريس لمحاربة الإرهاب أو تأمين الشعوب. فلم نر تحركا يذكر تجاه أصل الداء أو حتى فرعه.. إن ما حدث في الساعات الأخيرة من شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لم يكن حتى مثل ما حدث في 11 سبتمبر أو يشبهه ولو من بعيد؛ لم يرسل تنظيمٌ متطرفٌ شبابًا بخطة من أقصى الأرض إلى أقصاها.. لم نرَ شبابًا من العالم الثالث يحاولون تدمير آخرين من العالم الأول.. إننا هنا أمام شباب من العالم الأول؛ ثقافةً وتعليمًا ونمطَ حياة، انفجروا في أنفسهم، فماتوا ودمروا من يتحرك في محيطهم.

الأستاذ سمير عطا الله.. انظر تحت كلمة «صمت»

في مقال نشرته «الشرق الأوسط» بتاريخ 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2015 بعنوان «سقوط السياسة»، حدثنا كاتبنا الكبير سمير عطا الله عن الانتخابات البرلمانية الأخيرة في مصر، مؤكدًا أن المصريين «ظلّوا عقودًا يطالبون بالديمقراطية. ولما نودي عليهم، فضّلوا البقاء في بيوتهم، أو الذهاب إلى الحدائق، أو النوم»، وأن «الربيع (العربي) هو الذي ألغى من نفوسنا الرغبة في حق الاختيار. وهو الذي ألغى فينا الأمل بإقامة حياة مشابهة للآخرين في ظل القانون وأحكامه». ولم ينسَ الأستاذ عطا الله أن يعرّج على العالم العربي كله، مشيرًا إلى أن السياسة في العالم العربي «سقطت»، وذلك «بعدما حوّلها (الربيع) إلى ثمار فاسدة.

ما لم يقله «الزعماء» في الأمم المتحدة

ساقني حظي يوم الاثنين 28 سبتمبر (أيلول) 2015 للجلوس أمام شاشة التلفاز طوال اليوم، فتابعت وأنا بكامل قواي العقلية كلمات الوفود المشاركة في الاجتماع السبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة. ومكمن الأسى لدي أنني لم أشعر حقيقةً بصدق «الزعماء»، بما يتساوى وأهمية الحدث أو حتى الوقت الذي أضعته في متابعته. لكن مظنة الكذب لم تكن مشكلتي أنا، بل مشكلتهم قبلي. هذه المشكلة رغم أهميتها، ليست الأهم.. لقد بدا «زعماء العالم» إلا قليلا منهم، غير قادرين على استيعاب اللحظة الدولية وخطورتها؛ بعضهم حيى كل دول قارته دولة دولة، فشجعوه دولة دولة.

الإسلام بين النهر والصحراء

كتب الدكتور جابر عصفور وزير الثقافة المصري السابق والناقد المعروف منذ أيام مقالاً مثيرًا عما سماه «الإسلام الوطني المصري»، مستعرضًا الجهود السياسية والعلمية للمصريين منذ منتصف القرن التاسع عشر، في إطار بلورة تصور نظري لطبيعتهم الدينية. وأكثر ما أثار اهتمامي في هذا المقال مصطلحان، هما «الإسلام النهري» و«الإسلام الصحراوي»، حيث حاول الدكتور جابر عصفور التفريق بين تصورين للإسلام، يعتمد أحدهما (الإسلام الصحراوي) على التشدد والعنف، انتهاء بالتطرف والإرهاب، فيما يرتكز الثاني (الإسلام النهري) على التسامح واللين، مشكّلاً في النهاية إسلامًا مصريًا وسطيًا معتدلاً يدفع بالأمة إلى الأمام. اعتمد الدكتور عصف