تمدّد الحشد الشعبي إلى المناطق السنية في العراق بسرعة فائقة، وساعد تنظيم داعش إيرانُ وأعوانها في العراق لتفرض أجندتها على معظم المناطق السنية في البلاد. وبعد الانتهاء من «داعش» في الموصل، تتوضح أهداف الولي الفقيه في العراق، وهي استنساخ الحرس الثوري من بطن الحشد الشعبي في بلاد الرافدين، ليصبح العمود الأساسي للنظام السياسي الجديد في العراق، مثلما استحوذ على مقاليد الأمور في إيران بحجة الحرب الإيرانية - العراقية قرابة أربعة عقود في إيران.
ونظراً لما حصل في إيران في ظل حكم العسكر والحرس، على الشعب العراقي أن يعي خطورة المرحلة وما يخطط له الولي الفقيه في العراق، وما يطمح إليه قاسم سليماني في بلادهم، من أجل السيطرة الكاملة على الشعب العراقي ومقدراته. لا شك أن مشروع بقاء هيمنة الحشد الشعبي على القرار السياسي في العراق وشّل بناء الدولة العراقية من خلال استحواذ الميليشيات على المؤسسات هو مشروع إيراني من أجل إخضاع العراق لحكم آيات قم وطهران، وتبعية بلاد الرافدين إلى إيران والانتقاص من استقلالية إرادة الشعب العراقي بكل أطيافه.
وهل يقبل الشعب العراقي بعد كل المعاناة التي عاناها والدماء الطاهرة التي سالت والتضحيات التي قدمت، أن يصبح قراره السياسي بيد هادي العامري أو قيس الخزعلي اللذين ينافقان الولي الفقيه في قم وطهران؟ ومن يقول إن شعب الرافدين وصاحب أولى الحضارات الإنسانية، لا يستطيع بناء مجتمع ودولة ديمقراطية تعدّدية تمثل جميع الأطياف السياسية وتحترم حقوق الإثنيات والطوائف المتعدّدة والمرأة، وتسعى لبناء مواطنة حقيقية بين آحاد الناس؟ المخرج السياسي الوحيد للعراق هو ابتعاد الدولة عن الآيديولوجيات السامة ونزاعات الميليشيات. ومن مصلحة مراجع الدين الشيعة كافة أن تطالب بإبعاد الإسلام السياسي عن مؤسسات الدولة، حتى لا تتكرر مآسي نظام الولي الفقيه في العراق، والمطلوب التحرك بشجاعة تجاه هذا الموضوع من قبل المرجعيات الدينية، مثلما تحركت ودافعت عن العقيدة والإيمان وصيانة النفوس والأعراض والممتلكات وقانون رجل واحد صوت واحد... عليها أن تدافع عن دولة خارج سيطرة رجال الدين والحرس والميليشيات. علينا ألا ننسى أن مشروع الميليشيات الذي جربناه منذ أربعة عقود في إيران، هو مشروع تقويض المجتمع المدني وكبح الحريات بكل أشكالها وحكم الحزب الواحد ومحاكم الثورة ومشانق الساحات العامة وسيطرة المخابرات والباسيج وتفشي الفساد في بنية الاقتصاد الوطني وسيادة المحسوبية وعصابات الاختلاس والرشوة وسجون أصحاب الفكر والصحافيين وانتشار الدعارة وبنات الهوى، في ظل نظام فاشي - شوفيني لا يقبل النقد وعنوانه «حكم الولي الفقيه المطلق».
وأريد أن أؤكد ومن باب الذكر لعلماء ومراجع الشعة العظام، أن هناك شعباً شيعياً مضطهداً من قبل نظام الولي الفقيه في الأحواز جنوب إيران، تُسحق حقوقه يومياً ويُقمع أبناؤه على مدار الساعة، وتُصادر أراضيه قسراً، ولكن لم نسمع صوتاً ولو مرة واحدة، تناديه وتتضامن معه المراجع الدينية!
إيران في الوقت الراهن تبذل أموالاً هائلة من أجل ترويج الحشد وتمهيد طريقه لكسب المراكز السياسية اللازمة في المستقبل القريب، ومن أهمها الفوز في الانتخابات البرلمانية القادمة. ما تريده إيران خلق أجواء ميليشياوية عشية الانتخابات وإيصال موالين للحشد إلى البرلمان في ظل هذه الأجواء المصطنعة. وإيران تحاصر العراق الآن من ثلاث جهات؛ الشرقية والغربية والجنوبية، وتريد أن تقلب الأمور على الشعب العراقي من الداخل ومن خلال تحرك الميليشيات التابعة لها والسياسيين الموالين لها. ورأينا في الأيام الأخيرة تصريحاً تمويهياً من نوري المالكي يدعو روسيا إلى المشاركة العسكرية في العراق حتى يصبح العراق أرضاً منتدباً عليها مجموعة من الدول، وفي المقدمة نظام آيات طهران. وهذه دعوة رسمية إلى إيران لتبقى عسكرياً في العراق متى تشاء بعد أن ملأ وجودها أرض الرافدين بصورة غير شرعية وغير رسمية، ويتحرك سليماني حسب هواه في كل نقطة في العراق، ويحضر اجتماعات الدولة العراقية ويلقي أوامره على المسؤولين العراقيين!
وهنا يأتي دور المرجعية التي أفتت بتشكيلة الحشد الشعبي لمناهضة «الدولة الإسلامية» المزعومة، وبعد تحرير الموصل وتفكك تنظيم داعش في العراق، على المرجعية أن تتخذ موقفاً من تدخلات إيران والدفاع عن السيادة العراقية ومؤسسات الدولة وإفتاء بحلّ ميليشيات الحشد الشعبي وتوحيد القوات العسكرية العراقية تحت راية الجيش، والتأكيد على حق الجيش الحصري بامتلاك السلاح. إصرار قاسم سليماني على إبقاء السلاح بيد الحشد الشعبي على غرار «حزب الله» اللبناني، ليس تدخلاً سافراً في شؤون العراق الداخلية فحسب، بل انتهاك فظيع للدستور العراقي وما يطمح به الشعب لبناء الدولة العراقية الجديدة.
وفقاً لما كتبته جريدة «شرق» الإيرانية، فإن 41 فصيلاً من الحشد الشعبي تمتثل لأوامر قاسم سليماني والولي الفقيه في إيران، وتزيد أعدادهم على 100 ألف عنصر، ويتلقون رواتب عالية بالمقارنة مع عناصر من الجيش العراقي، تتراوح بين 800 و1400 دولار شهرياً. وفي سياق الميزانية، ما يهدف له قاسم سليماني في حال فرض الحشد الشعبي على الدولة العراقية، هو أن الدولة العراقية تتكلف بتسليم رواتب ميليشيات الحشد بينما قيادة الحشد لا تتبع أوامر المسؤولين العراقيين!
إيران صنعت «داعش» من أجل ما تقوله الآن، ويتلخص بجملة واحدة: العراق يعني الحشد والحشد يعني العراق!
من منظور الدعاية الإيرانية لا شيء خارج هذه العبارة «الحشد هو الذي دافع عن العراق وهو الذي حرّر الموصل وهو الذي باق في العراق». وأبعد من ذلك، إيران تطمح لتقول إن الحشد هو التاريخ والحاضر والمستقبل، وتفسر للشارع الإيراني من أجل إغرائه بالمصالح اللاحقة أن «الحشد هو إيران»، وما خططت له القيادة الإيرانية منذ زمن بعيد للاستحواذ على الشرق الأوسط من بحر قزوين إلى البحر المتوسط.
TT
«الحشد الشعبي»... مشروع الولي الفقيه في العراق
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة