دنيس روس
TT

التعاون الخليجي الأميركي للجم إيران

في كتابي المعنون «حتمية النجاح: العلاقات الأميركية الإسرائيلية من ترومان إلى أوباما»، اختبرت كل إدارة أميركية تولت المسؤولية منذ عهد الرئيس ترومان والافتراضات الرئيسية التي حركت كل إدارة، وسياساتها، واستجاباتها على الأحداث الرئيسية التي واجهتها في منطقة الشرق الأوسط. ولقد واجه كل رئيس، بين هذين الزعيمين، حربًا واحدة كبيرة أو أزمة واحدة كبيرة في منطقة الشرق الأوسط إبان رئاسته للولايات المتحدة. وكذلك، ورغم توليه مهام رئاسته حديثًا في 20 يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، سوف يواجه الرئيس دونالد ترمب حقيقة أكثر صعوبة في الشرق الأوسط من أي ممن سبقه من رؤساء الولايات المتحدة.
قد يبدو هذا من التصريحات الاستثنائية وغير المعتادة، ولكنه بكل تأكيد صحيح. ولننظر إلى المشهد العام لمنطقة الشرق الأوسط الذي بات ينتظر الرئيس 45 للولايات المتحدة. إن نظام الحكم نفسه أصبح تحت التهديد المباشر في كل من سوريا، والعراق، وليبيا، ومن غير المرجح أبدًا أن يرجع كما كان عليه الأمر من قبل باعتبارها كيانات وطنية مستقرة ومتكاملة. بالإضافة إلى ذلك، تواجه مصر، أكبر الدول العربية من حيث تعداد السكان، المزيد من أنشطة الجماعات الإرهابية في شبه جزيرة سيناء، وتحديات اقتصادية كبيرة. أما بالنسبة إلى اليمن، فهي دولة الفقر المدقع، التي استنزفت كل مواردها الطبيعية، ويعمل الصراع الدائر على تمزيق أوصال البلاد في الوقت الذي يوفر فيه النظام في طهران الدعم المباشر بالسلاح والتدريب، على أدنى تقدير، إلى المزيد من تمزيق البلاد. والدعم الإيراني، واستخدام الوكيل الحوثي في هذا الصراع ليس وضعًا استثنائيًا بحال. ففي جميع أرجاء المنطقة، تستخدم إيران الميليشيات الشيعية في تمديد سلطتها، وقوتها، ونفوذها، مع هدف واضح وهو تقويض أركان الدول والحكومات العربية. ومما يؤسف له، أنه في حين
استخدمت روسيا القوة في تغيير موازين القوى على الأرض في سوريا، حتى مع أن وجودها العسكري في المنطقة هو أقل بكثير مقارنة بالوجود الأميركي الكبير فيها، فإن موسكو تواصل ذلك بطريقة تثير حفيظة القوة الإيرانية.
يتعين على الإدارة الأميركية الجديدة تحديد المقاربة التي سوف تنتهجها مع الجانب الروسي، وما يجب عليها القيام به لإجبار الروس على الابتعاد، بدرجة كافية، عن إيران. كما يجب أن تقرر الإدارة الأميركية عما إذا كانت سوف تواجه، وكيفية مواجهة، الدور الإيراني لزعزعة استقرار المنطقة، وكيف يتصل ذلك بأولويات الإدارة الأميركية من هزيمة تنظيم داعش الإرهابي. قد يعتقد البعض أننا قد نشارك إيران في محاربة داعش، ولكن هذا ضرب من الأوهام بكل تأكيد. فإن الدور الإيراني، واستخدام الميليشيات الشيعية قد تسبب، فقط، في تعميق النزعات الطائفية. عندما لعبت الميليشيات الشيعية دورها المعروف في هزيمة «داعش» في مدن الرمادي والفلوجة العراقيتين، كانت هناك عمليات سلب ونهب واسعة النطاق وغير مسبوقة. وتحاول الحكومة والجيش العراقي الحيلولة دون مشاركة الميليشيات الشيعية في معركة تحرير الموصل؛ ولكن الميليشيات لم تزل ناشطة في المناطق المجاورة والمحيطة بتلك المدينة الكبيرة، وهم يكررون هناك الأنماط العنيفة نفسها التي نفذوها من قبل؛ «تمامًا كما صنعوا من قبل في مدينة حلب السورية عندما تمكن نظام الأسد بمعاونة الميليشيات الإيرانية من استعادة السيطرة على الأجزاء الشرقية من المدينة المنكوبة».
ومع نظر الإدارة الأميركية الجديدة في كيفية تكثيف دعمها للحملة العراقية الحالية لهزيمة داعش في الموصل العراقية، ولتعزيز جهودنا من أجل تنفيذ الأمر نفسه في مدينة الرقة السورية - عاصمة ما يعرف بالخلافة المزعومة - تحتاج الإدارة الأميركية لأن تضمن أن الظروف التي تمخضت عنها ولادة داعش في المقام الأول لن يتاح لها المجال للتكرار في المستقبل. ويجب على الرئيس ترمب ومستشاريه وضع خطة واضحة وقابلة للتنفيذ على أرض الواقع لتسهيل العودة السريعة للسكان السنة إلى المناطق المحررة من قبضة «داعش»، ويجب على الإدارة الأميركية أيضًا توفير المساعدات لإعادة إعمار المناطق المدمرة، ولا بد من وجود منهج شامل للحكم والأمن في أعقاب هزيمة التنظيم الإرهابي في تلك المناطق؛ الأمور التي تبين من واقع الحال الصعوبة البالغة لتحقيقها في أغلب مناطق العراق حتى الآن.
وأي من هذه العناصر - العودة السريعة واستيعاب السكان، وإعادة الإعمار، والحكم والأمن الشاملين - يمكن تحقيقها على أرض الواقع من دون التعاون الوثيق بين الولايات المتحدة وشركائها التقليديين من الدول العربية في منطقة الشرق الأوسط. ومن دون شك أن استعداد هذه الدول للعمل والمساعدة سوف يرتبط ارتباطًا قويًا بتصورهم لمدى تفهم إدارة الرئيس ترمب للتهديدات التي يمثلها النظام الإيراني، واستعداد الإدارة الأميركية للعمل معهم على مواجهة واحتواء هذه التهديدات. والرهانات في هذا المضمار عالية جدًا بالنسبة لإدارة الرئيس ترمب؛ لأن الفشل في تحقيق، ولو قدر قليل من التقدم الملموس حيال عودة السكان، وإعادة الإعمار، والاستيعاب، سوف يؤدي - إن عاجلا أو آجلا - إلى حالة الإقصاء والاستياء الشديدين لدى السكان من السنة؛ تلك التي أسفرت عن ظهور وباء «داعش» في المقام الأول. وإذا كان الرئيس ترمب يعتقد حقًا أن إدارة الرئيس السابق أوباما قد ساعدت في ظهور «داعش» من خلال انسحابها المبكر للغاية من العراق، فإنه لن يكون راغبًا في تهيئة الظروف لهزيمة «داعش» مع توافر الظروف نفسها التي أدت لقيام التنظيم، والتي قد تسفر عن ظهور تنظيم آخر يهددنا خلال سنوات رئاسته للبلاد.
من جانب آخر، هناك إمكانات كبيرة وهائلة في خطة التحول الوطنية السعودية، والتي هي ليست فقط لصالح المملكة، ولكن لصالح المنطقة بنطاقها الأوسع. والخطة السعودية عبارة عن جهود ممنهجة ومنظمة لتنمية وتطوير وتحديث المملكة بأسرها. من حيث إصلاح التعليم، وتنويع مصادر الاقتصاد والدخل القومي، وبناء الصناعات المحلية في القطاعات النفطية والكيميائية، والتعدين، والسياحة، وتعزيز الاقتصاد المعلوماتي والرقمي، هي من الأهداف الطموحة المدمجة في «الرؤية السعودية 2030». وعلى الرغم من سقف الطموحات المرتفع، فإن الخطة الوطنية السعودية ليست مجرد فكرة، ولكنها استراتيجية قابلة للتحقيق في الواقع الملموس.
ولكن ما سر أهمية هذه الخطة بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط؟ لم يكن هناك نموذج ناجح للتطوير والتنمية والتحديث في الشرق الوسط العربي بهذا الحجم وهذه الأهمية من قبل. لقد فشل القوميون العلمانيون تمامًا كما يفشل الإسلاميون الآن في تحقيق هذا الهدف الكبير؛ والسبب هو افتقار الجميع لوجود الخطة الجادة، والعملية للتنمية والتطوير، أو لتحقيق التوفيق المطلوب ما بين الإسلام والتحديث. غير أن الخطة السعودية تملك الأمرين على حد سواء، وينبغي على الولايات المتحدة أن تسهم بكل ما تستطيع لإنجاحها.
قد يواجه الرئيس ترمب مجموعة هائلة من التحديات في منطقة الشرق الأوسط. ولكن إن تفهمت إدارته طبيعة التهديدات الماثلة، والتي تشكلها إيران والمتطرفون المتشددون، وكانت على استعداد تام للعمل مع شركاء بلاده التقليديين في المنطقة، وتقدير كيفية تحقيق الاستفادة القصوى من التطورات الجديدة في المنطقة، يمكن للرئيس الأميركي النجاح في الشرق الأوسط.