إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

زوجة ستالين

استمع إلى المقالة

على مائدة الاحتفال الكبير بالذكرى الخامسة عشرة للثورة، طلب منها ستالين أن ترفع كأسها وتشرب نخباً. لكنها تجاهلته. رماها بالسجائر وقشور البرتقال. فلم تتجاوب. غازل شابة من الحاضرات لكي يغيظها. انسحبت إلى غرفتها في الكرملين وفي الصباح التالي عثرت عليها خادمتها تسبح في دمها. انتحرت زوجة ستالين وكانت الرواية الرسمية أنها ماتت بانفجار الزائدة الدودية. تعود سيرة ناديا أليلوييفا إلى الضوء في فيلم وثائقي عن ستالين عرضه التلفزيون الفرنسي. يستعيد صانعو الفيلم كل ما في سيرة الزعيم السوفياتي من إنجازات وأيضاً من قرارات أودت بأرواح الملايين.

بعد انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، دعا ستالين حليفه أيزنهاور لزيارة موسكو وحضور احتفال النصر. كان الضيف قائداً عاماً للقوات الأميركية قبل أن يجري انتخابه رئيساً للولايات المتحدة. حشد له ستالين كل ما لدى الجمهوريات السوفياتية من مواهب باهرة. آلاف الشبان والشابات يقدمون استعراضات تتفوق على ما اعتدنا رؤيته في افتتاح الدورات الأولمبية الحديثة. لكن الكاميرا تتوقف على وجه أيزنهاور وهو يتثاءب ضجراً. كيف لم يحذف الرقيب السوفياتي المشهد؟

تثير الانتباه أيضاً علاقة الزعيم السوفياتي بزوجته الثانية ناديا. كانت في العاشرة حين رأته للمرة الأولى. أبوها من الثوار وقد جاء إلى بيتهم هارباً من سيبيريا لكي يختبئ لدى رفيقه في الثورة. كادت الطفلة تغرق في النهر وأنقذها ستالين. وبعد نجاح الثورة عملت ناديا كاتبة على الطابعة في مكتب الزعيم لينين، ثم في مفوضية الشعب تحت إدارة ستالين. رافقته في إحدى جولاته لتطهير جيوب التمرد وتزوجا في المعمعة. كان الزوج في الحادية والأربعين، أرمل فقد زوجته الأولى بالسلّ. ولم تكن ناديا جميلة بالمعنى الشائع للجمال لكن فيها جاذبية الفرس التي تحتاج ترويضاً. أنجبت له ولداً وبنتاً.

عاشت في الكرملين ولم تكن تغادره إلا لحضور دروس في الأكاديمية الصناعية. يحدث أن تعترض على بعض قرارات زوجها. كرهت وزير الأمن بيريا ورفضت أن تطأ قدماه شقتها. تتجول في موسكو وتعود لتخبر ستالين أن مواطناً مات على الرصيف من الجوع. وامرأة نحرت ولدها وطبخته لتطعم بقية أبنائها. ثم جاء ذلك العشاء الاحتفالي الأخير. رفضت أن تشرب نخب القضاء على أعداء الأمة. أمرها زوجها: «هيه... أنت.. ارفعي كأسك». ردت عليه: «اسمي ليس هيه أنت». غادرت الحفل إلى غرفتها وكتبت إلى ستالين رسالة «رهيبة»، حسب وصف ابنتها سفيتلانا. تمددت في فراشها وانتحرت بطلقة من «موزر». ولم يكن هناك من يجرؤ على إبلاغ زوجها بالخبر. وطوال ستين عاماً تالية لم يعرف الناس حقيقة أن زوجة زعيمهم أنهت حياتها بيدها. كان للانتحار تفسير واحد هو الاعتراض على سياسة ستالين.

و«الموزر» مسدس ألماني الصنع ورد ذكره في الأغنية العراقية الشهيرة: «ربيتك زغيرون حسن ليش انكرتني... بعيونك الواسعات موزر صدتني».