عبدالله بن بجاد العتيبي
كاتب سعودي مهتم بالحركات الإسلامية والتغيرات في الدول العربية، وله عدة مؤلفات حول ذلك منها «ضد الربيع العربي» وله أبحاث منها: «القابلية للعنف والقيم البدوية»، نشر في 2006. و«السرورية» 2007. و«الولاء والبراء، آيديولوجية المعارضة السياسية في الإسلام» 2007. و«الإخوان المسلمون والسعودية الهجرة والعلاقة» 2010. قدم عدداً من الأوراق البحثية للعديد من مراكز الدراسات والصحف. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات، وهو خريج جامعة المقاصد في بيروت في تخصص الدراسات الإسلامية.
TT

إصلاحيو إيران والمقولات المغلوطة

استمع إلى المقالة

منطقة الشرق الأوسط ما زالت معجونة بالتراث بكل حمولته، السلبية أكثر من الإيجابية، ومثقلة بأعباء التاريخ وصراعاته، وإِحِن الماضي وخلافاته، دينياً وطائفياً وإثنياً، وما زالت «الهويات القاتلة» كما يسميها أمين معلوف تعمل فيه بكامل طاقتها وتأثيرها، وفهم هذا البعد والوعي به هما طريق الخلاص منه نحو المستقبل.

ما زالت المنطقة بعيدة عن تجاوز الماضي، فضلاً عن القطيعة معه كما جرى في الغرب، والخلط بين السياقات الحضارية للأمم والشعوب والدول معوقٌ عن تحقيق أي تقدمٍ ثقافي أو إنجاز أي رقيٍّ حضاري، فنحن لسنا مثل السياق الغربي، وما وصل إليه في لحظته الراهنة إنما هو نتيجة لتراكم ثلاثة قرونٍ من «النهضة» إلى «التنوير» إلى الوضع المعاصر.

نستخدم في سياقنا الحضاري مصطلحاتٍ شبيهة بالغرب، مثل «النهضة» و«التنوير»، ولكنها لا تحمل الدلالات نفسها، وهذا مفهومٌ فلسفياً وفكرياً، ولكنَّ هذا الاستخدام مضرٌّ حين يصل إلى مجالاتٍ سياسية وثقافية وإعلامية، وقد رأى الجميع كيف استُخدمت مصطلحات مثل «الديمقراطية» و«حقوق الإنسان» و«حرية التعبير» لقتل الشعوب، ونشر «استقرار الفوضى» عبر الجماعات الأصولية المتطرفة إبان ما كان يُعرف بـ«الربيع العربي» قبل عقدٍ ونصفٍ تقريباً.

«الانتخابات الإيرانية» حصدت اهتماماً إعلامياً هي جديرةٌ به لتأثيرات إيران الممتدة في المنطقة، وتحديداً في عددٍ من الدول العربية التي أصبحت إيران تسيطر عليها وعلى سياسييها وصناع القرار فيها، ولكنها انتخاباتٌ شكلية أكثر منها عملية ومؤثرة، ولأن المقارنات تُيسِّر الفهم، فيمكن مقارنة نتائج الانتخابات الإيرانية التي لا تغير شيئاً مع نتائج الانتخابات الأميركية أو البريطانية الحالية، وكيف تُغير كثيراً في نهج الحكومات وتوجهاتها.

في هذا السياق ثمة مقولاتٌ مغلوطة تُضيع المعاني وتُشتت الرؤية وتحرف الفهم، وهي مقولاتٌ صيغت بعناية لهذه الأهداف، بعضها مستجلَبٌ من التراث وبعضها من الغرب والثقافة الحديثة أو هي نقل مقصود من الأوضاع السياسية الغربية لإيهام التطابق.

«إصلاحيو إيران» واحدة من هذه التسميات التي تُفضي إلى عدم الفهم الدقيق لطبيعة الأوضاع السياسية هناك؛ فكل من هناك «محافظون»، والاختلاف في الدرجة لا في النوع، ومثل هذا التفريق في جماعة الإخوان المسلمين، وجماعات الإسلام السياسي بين صقورٍ وحمائم، وانتشار هذا التفريق، أصاب التعامل معها بالتيه المزمن، ولم تضعُف شرور هذه الجماعات إلا بعدما صنفتها دولٌ عربية مهمة مثل السعودية ومصر والإمارات جماعات إرهابية، فكلهم صقورٌ لسببين لا يمكن تغييرهما؛ الأول الآيديولوجيا وصرامتها التي لا تسمح بالمراجعات الحقيقية، والآخر بنية التنظيم المحكَم الذي لا يسمح بالانشقاقات.

ومن أوضح الأمثلة في هذا السياق، استجلاب تفريقٍ غربي بين جناحٍ سياسي وآخر عسكري لبعض الأحزاب المعارضة، كما في آيرلندا «وحزب الشين فين»، الجناح السياسي لـ«الجيش الجمهوري الآيرلندي»، وغير هذا من النماذج في الغرب، واستجلاب هذا التفريق وصل إلى جماعات الإسلام السياسي لدينا.

مع استحضار أن الجمع بين السياسة والعنف قديمٌ قِدَم جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها السري العنيف، ولكنَّ تبريرَه بجناح سياسي وجناح عسكري جديدٌ نوعاً ما، وقد أصبح يُستخدم بكثرة لجدواه في تشتيت المواقف السياسية والقانونية تجاه هذه الجماعات والتنظيمات، فـ«حزب الله» اللبناني، وهو تنظيم إرهابي، يَستخدم هذا التفريق المستورد بين جناح سياسي وجناح عسكري، ومثله جماعة «حماس» وبعض الفصائل الفلسطينية، ومثله «جماعات الصحوة الإسلامية» في السعودية وغيرها كجناح سياسي، وتنظيم «القاعدة» كجناح عسكري، ولا يمكن نسيان مداخلة الصحوي سفر الحوالي مع إحدى القنوات الفضائية، معبراً عن مطالب الجناح السياسي من جرائم الجناح العسكري في 2003.

الصراع القائم في إيران هو بين متشددين وآخرين أكثر تشدداً، وكله يدور في بوتقة نظامٍ واحدٍ، قائده واحدٌ، وهو مَن يسمح بتقدم طرفٍ على طرفٍ حسب الأوضاع السياسية دولياً وإقليمياً، و«إصلاحيو إيران» الحقيقيون يعيشون في المنافي، وهم يعانون من التشتت والاختراقات والاستهداف المتكرر بشكل منهجي.

«إصلاحيو إيران» كانت تعبر عنهم شخصيات مثل رفسنجاني وخاتمي وموسوي وكروبي، وعلى الرغم من أنهم لا يعبِّرون عن اختلافاتٍ حقيقية مع النظام، فإنهم قُمعوا كثيراً بعد انتهاء مدة الاستفادة الظرفية منهم، وفي كتاباتهم وطروحاتهم تهجُّمٌ على الدول العربية ودول الخليج لا تخطئه العين، ويمكن استحضار ما كتبه جواد ظريف وزير الخارجية الأسبق في صحيفة «نيويورك تايمز» 2016 مدافعاً عن «الاتفاق النووي» سيئ الذكر، وتهجمه الممنهج على دول الخليج والدول العربية، وذلك لوضع الأمور في نصابها وإبعاد أي توهمٍ قد يوحي بموقفٍ مختلفٍ أو سياسات مغايرة فضلاً عن أي تحولٍ مهم في الاستراتيجية المعتمَدة هناك.

أخيراً، فالفهم الدقيق يساعد على التعامل الأمثل، والسياسة قادرة على التعامل مع الخصوم كما الحلفاء، ولكلٍّ منهما أدوات وآليات مختلفة.