محمد النغيمش
كاتب كويتي
TT

عندما تُشتّت «الخيارات» قراراتنا

استمع إلى المقالة

يردد المصريون المثل الشعبي «عايز تحيرو خيرو»، ويقول السوريون «إذا بدك تحيرو خيرو»، في إشارة بليغة إلى ما توصلت إليه الأبحاث العلمية من أن الخيارات المبالغ فيها تربك آلية اتخاذ القرار، و«تشوش» أذهان الزبائن، ويضيق بها ذرعاً المراجعون للدوائر الحكومية (أو مواقعها الإلكترونية).

ما حدث أن علماء من جامعات عدة تضافروا لتتبع ماذا يمكن أن يحدث إذا غمرنا متخذ القرار (في ميادين عدة) بخيارات مبالغ فيها. فاتضح لهم أن مجرد «النظر» في خيارات عدة (حتى من دون اتخاذ قرار) يستنزف أجزاءً من الدماغ البشري تؤثر لاحقاً على مقدرة الناس في التركيز الكافي عند حاجتهم لإكمال مشروعاتهم أو مهامهم اليومية لاحقاً، حسب دراسة نشرت في دورية «JPSP».

وكانت المفارقة أنه حتى ولو كان الخيارات ممتعة جداً بالنسبة لمتخذ القرار، فإن آلية المفاضلة بحد ذاتها «تتعب» ذهن المرء بصورة قد تؤثر على حيويته أو قراره.

ولهذا عادت صرعة جديدة إلى عالم المطاعم تتمثل في مصطلح تبسيط قائمة الطعام (menu simplification)، أو التركيز (focus)، كما كان العهد سابقاً، حتى لا يحتار الزبائن في أطباقهم. وقررت العديد من الشركات المدرجة على قائمة أكبر 500 شركة في السوق الأميركية، فضلاً عن جهات رسمية، أن تخفض أعداد منتجاتها وخدماتها، وذلك لتبسيط الخيارات المطروحة أمام الناس. كما أنها محاولة لضمان أن يسرع الزبون أو المراجع من اتخاذه للقرار، وألا يخرج من السوق أو الدائرة الحكومية خالي الوفاض. وحول هذه الفكرة تُبْنى المواقع الإلكترونية العصرية.

وقد انتشرت أخبار مفادها بأن سلسلة مقاهي «ستاربكس» العالمية تعتزم إعادة النظر في حجم الخيارات الممنوحة لعملائها مثل زيادة الكريمة والإضافات الشكلية بأنواعها، وتوسعها في الكماليات، الأمر الذي -على ما يبدو- صار مبالغاً فيه ويطيل طوابير الانتظار وخدمة السيارات. وقد لمح تقرير لـ«بلومبرغ» إلى أن ذلك الزحام قد يعود للنطاق الواسع لقائمة المشروبات في «ستاربكس».

إلا أن معضلة حيرة المرء أمام الخيارات قد تكون نعمة أحياناً. ولذلك كان من طرق تشتيت الخصم في المفاوضات أن نمطره بوابل من الخيارات عديمة الجدوى بالنسبة له ليختار الأفضل بالنسبة لنا. وهي الفكرة نفسها المتبعة من قبل المسوقين الذين يدفعون مشتري الفشار الصغير في السينما إلى شراء الأكبر حجماً بحجة المبلغ الزهيد الذي إن دفعه «سينعم» بكمية هائلة من «البوكورن»!

ما يهمنا في مسألة كثرة البدائل والتشويش الذي تحدثه، أن يطلب متخذو القرارات خيارات محدودة جداً، حتى يمكنهم انتقاء الأفضل. ونعتمد دوماً في مجالس الإدارات ثلاثة خيارات (احتمالات): وهي السيناريو الأفضل والأسوأ وما بينهما. وكلما قلت الخيارات المطروحة عموماً صارت على الأرجح أكثر «دسامة» وعمقاً لكونها تضم مزايا عدة في خيارات محدودة.