تدخل ”حرب أوكرانيا“ الشهر الحالي، عامها الثاني، بلا أي أفق نحو الحل. ورغم أن التطورات اليومية للأزمة باتت مُمّلة للمتابعين، فإنها بالنسبة للمعنيّين وصنّاع القرار، لا تزال القضيةَ المركزيةَ عالمياً بالنظر إلى تداعياتها ومخاطرها الكونية؛ إنها أكبر هزّة سياسية دولية منذ الحرب العالمية الثانية.
التفكير المنطقي يفترض أن الأزمة ستنتهي بتسويّة، إلا أن هناك صعوبات تحول دون ذلك، أبرزها تباعد المواقف، وغياب الوسطاء، وضعف القيادات (وتبدّلها خلال الفترة الماضية) في العواصم المعنية.. الخ.
هناك سباق مع الوقت الآن بين الجانبين؛ فالجانب الروسي يُعد لهجوم كبير في الربيع، حسبما هو مرجّح، من أجل إكمال السيطرة على الأقاليم الأربعة التي ضمّها، والجانب الأوكراني يطالب حلفاءه الغربييين بمزيد من الأسلحة الثقيلة لحفاظه على ما بقي تحت سيطرته من جيوب في تلك الأقاليم، وأهمها مدينة باخموت.
الوضع في الأقاليم الأربعة، فوضويّ للغاية ومتقلّب من حيث السيطرة، لكنه أيضاً خطير بالنظر إلى وجود منشآت نووية في زابوريجيا. وواضح أن الحسم الميداني في تلك الأقاليم هو الذي سيحسم الحرب.
قبل أيام، نجحت المطالب الأوكرانية والضغوط الغربية، في إرغام "ألمانيا - شولتس“ على إرسال دبابات ”ليوبارد“، وقبل ذلك وافق الأميركيون على إرسال دبابات ”أبرامز“ والفرنسيون على إرسال دبابات ”لوكلير“ والإنجليز على إرسال دبابات ”تشالنجر“. الأميركيون أيضاً وافقوا على تزويد كييف بصواريخ طويلة المدى يبلغ مداها 150 كيلومتراً، والنقاشات مستمرة على إرسال الطائرات المقاتلة وضمنها ”إف 16“.
إذن، نحن مقبلون على ”هجوم روسي مرتقب“ يقابله ”تحضّر أوكراني بأسلحة ثقيلة نوعية“.
لكل طرف نقاط قوة وضعف في هذه الحرب الطويلة والمعقدة. الروس يراهنون على الردع الاستراتيجي وتحالفهم مع القوى الصاعدة القادرة على تغيير المشهد، لكن ليس واضحاً ما إذا كانت ”روسيا بوتين“ التي جمّد الغرب مئات المليارات من أرصدتها في الخارج (البعض يقدرها بـ 300 مليار دولار) قادرة على تمويل فترة طويلة من الحرب. وما يؤلم الروس أكثر رؤيتهم أن السبب الرئيس لاندلاع الحرب، أي زحف الأسلحة الغربية نحو حدودهم، لا يزال ماثلاً، ويقوّض ما تبقى من هيبة بلدهم.
الغربيون في المقابل متمسّكون بأسلحة وحدتهم وتحكّمهم المفترض في المؤسسات ومفاصل المشهد الدولي، لكنهم يخشون الدب الروسي، منتصراً كما منهزماً؛ يخشون لجوءه لـ ”الأسوأ النووي“ وتداعيات طول أمد الصراع على التضخم وحدوث اضطرابات اجتماعية في أوروبا.
الغرب يعيش اليوم واقعاً مختلفاً كثيراً عمّا روّج له، عند بدء الأزمة، عن احتمال انهيار حكم بوتين، على غرار انهيار الاتحاد السوفياتي بفعل الازمات التي حلّت به في أواخر عهد غورباتشوف.
على مستويات جيو - استراتيجية، هناك قلق كوني إزاء النتائج المدمّرة لهذه الحرب على مدى عام، والنتائج المتوقعة إذا استمرت مدة أطول. الغربيون ينامون ويستيقضون، منذ أكثر من سنة، على أسئلة بلا إجابات دقيقة: أي مستقبل لنا مع هذه الحرب، هل نحن فعلاً قادرون على الاستغناء عن مصادر الطاقة الروسية على مدى أطول، إلى أين ستقود ديناميات صعود الدور الصيني، وملامح التحالف الروسي - الصيني وإلى أي حد ستدعم الهند ذلك التحالف، وتوسع تكتل ”بريكس“ إلى "بريكس بلس“، وتزايد صلابة تكتل ”أوبك بلس“، والانعراجات اللافتة للاقتصادات القوية في منطقة الشرق الأوسط تجاه الشرق؟. كلها أسئلة ضاغطة تحمل الكثير من مفاتيح العبور نحو المستقبل.
الخلاصة، الغرب الذي نعتقد أننا نعرفه ربما لم يعد موجوداً، وروسيا التي نعتقد أننا نعرفها ربما لم تعد موجودة هي الأخرى. مشهد معقّد وخطير، وأي محاولة لاستشراف نهاياته، لا تعدو أن تكون ضمن خانة التكهّنات والحسابات النسبيّة، ببساطة، لأن الحرب هي اللعبة الوحيدة التي يخسر فيها الجميع.
8:2 دقيقه
TT
اللعبة الخاسرة
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة