كان الأمر «في غاية البساطة» وفق ما قالت لي «الموظفة الودودة» قبل عام: «بدلاً من أن تحضر سيادتك لسداد الأقساط؛ ستحرر لنا شيكات وسنصرفها من البنك في موعدها». مرت السنة وجاء اتصال هاتفي من الموظفة نفسها، التي أصبحت «صارمة» هذه المرة، وهي تنقل لي أنني «في مشكلة كبيرة»، والسبب: «توقيعك على الشيك ليس مطابقاً لما هو مُسجل في البنك... تصرف بسرعة قبل أن نلجأ للقضاء».
صحيح أنني كنت ضائقاً بالفوائد الباهظة التي أدفعها مقابل التقسيط، لكن وبكل أمانة لم أخطط لمؤامرة... بل إن أحداً لن يصدقني عندما يُوضع التوقيعان أمامي فلا أعرف أيهما يخص البنك، وأيهما وضعته على الشيكات.
ناهيك عن أزمتي التي ربما تجد حلاً لدى القضاء إن تطورت، فإن لحل المشكلات آليات منطقية واستدلالات لفهم أسبابها... والأمر المؤكد هنا: أن «التوقيع الموجود على الشيك هو بخطي»، فلماذا يُنكرني هذا الأخير؟
بضغطة افتراضية على زر الـ«history» في عقلي بحثت عن آخر مرة احتجت فيها لإجراء معاملة بنكية مباشرة تستلزم توقيعي... أذهلتني - لا بل صدمتني - النتيجة الصفرية؛ فمنذ 4 سنوات على أقل تقدير أجريت تحويلاتي عبر تطبيق للإنترنت البنكي، وتلقيت راتبي عبر بطاقاتي، كما سددت فواتيري عبر هاتفي المرتبط بحسابي.
لقد كنت زبوناً مثالياً لعمليات الأتمتة المصرفية؛ أستحق روبوتاً يخدمني! لنكن عمليين تكفيني زيادة بسيطة لرصيدي كتكريم.
هل تجنيت على القطاع المصرفي، وبدا أني أحمله منفرداً مسؤولية إنكار خطي لتوقيعي؟... أعتذر بأدب واقتناع؛ لعل العاملين بالبنوك يجدون بعض العزاء عندما يعرفون أنني أدخل مقر عملي ببطاقة ممغنطة هي سند إمضاء الحضور، وأوقع عقودي عبر شاشة الموبايل... هل ذكرتهم بروتينهم اليومي؟ هل نكأت جراح خطوطهم مثلي؟ أكرر اعتذاري بصدق والله.
ليست الموظفة الصارمة الباحثة عن شيكات مؤسستها هي فقط من تؤجج خصومة خطي معي، تتآمر معها دور المزادات التي دخلت صرعة بيع «الرموز غير القابلة للاستبدال» التي يمكن تعريفها أنها «نسخة وحيدة للأصل الرقمي»... أقول لنفسي بغيظ: «صفحات الإنترنت باتت لها بصمة لا يمكن إنكارها... وأنت خطك يُنكرك».
وأستكمل بسخرية: «أدور حول نفسي بشأن توقيع يحدد مسار بضعة آلاف من الجنيهات؛ بينما بِيع الأصل الرقمي للصفحة الأولى من ويكيبديا بـ750 ألف دولار».
ورغم أنني لست متشائماً غالباً؛ فإن علماء الأعصاب في «ستانفورد» لم يتركوا فرصة لتفاؤلي بشأن معركتي مع خطي، خصوصاً بعد توصلهم إلى «تطوير نظام اتصال بين الكومبيوتر والدماغ، يمكنه فك رموز حركة الكتابة باليد وهي داخل المخ، ويترجمها إلى نصوص حقيقية»... صحيح أن هدف الباحثين نبيلُ فعلاً لخدمة من يعانون الشلل... لكن نظامهم مذهل وتطبيقاته المتوقعة مُغرية... فمن يضمن لي خط يدي من وحوش الأتمتة عندما ينتبهون.
TT
خطي يُنكرني... ماذا فعلت بي «الأتمتة»؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة