رغم أن الأطفال كانوا من أقل الفئات التي تضررت على المستوى العضوي من تداعيات جائحة «كورونا»، لأن المرض ظل أقل حدة في الأعراض والحجز في المستشفيات، وكذلك حالات الوفاة، إلا أنهم كانوا أكثرها تضرراً على المستوى النفسي، نظراً للتباعد الاجتماعي والحرمان من الدراسة بشكل طبيعي في المدارس لفترات طويلة في معظم دول العالم، مما كان له بالغ الأثر عليهم، خصوصاً في بداية التكوين النفسي والاجتماعي لهم.
- لقاح للأطفال
وفى خطوة ربما تكون بداية العودة للحياة الطبيعية، وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) في مطلع شهر مايو (أيار) الحالي على استخدام لقاح شركة «فايزر» في الأطفال بداية من عمر 12 عاماً على جرعتين، تفصل بينهم ثلاثة أسابيع.
أوضح الباحثون أن التطعيم يساعد في حماية المجتمع كله من الوباء، لأن الأطفال من أكثر الفئات التي تنقل المرض بدون أن تعاني من أعراضه، وكلما حصل عدد أكبر منهم على التطعيم كلما زادت فرص الحماية، خصوصاً قبل بداية العام الدراسي الجديد. وقبل الموافقة الحالية كانت أقل فئة عمرية يمكنها تناول اللقاح هي 16 عاماً. وتعد زيادة الفئات التي يمكنها الحصول على اللقاح من الأطفال، علامة مساعدة للعودة للحياة الطبيعية حسب توصيات المراكز الطبية الأميركية مثل الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال ومركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، التي صرحت سابقاً بأن العودة للدراسة في ظل إجراءات الحماية والوقاية أفضل بكثير من تعطيل الدراسة، على الصحة النفسية للأطفال.
يعمل اللقاح بالآلية نفسها التي تعمل بها كل اللقاحات من خلال حث الجهاز المناعي على تكوين أجسام مضادة للفيروس تمكنها من حماية الجسم منه. وتتكون معظم اللقاحات من الفيروس المراد الحماية منه بعد أن يتم قتله أو إضعافه تماماً، بحيث يؤدي إلى اكتساب المناعة، ولا يؤدي إلى الإصابة بالمرض.
ويختلف اللقاح الخاص بشركة «فايزر» والشركة الألمانية المتحالفة معها، في أنه عبارة عن الحمض النووي الريبوزي للفيروس (mRNA)، وليس الفيروس نفسه. وهو يمكن الخلايا المناعية من تكوين بروتين معي «بروتين الأشواك أو التاج» (spike protein) هو البروتين نفسه الموجود على سطح فيروس كورونا.
ويقوم الجسم بعدها بالتعرف على هذا النوع من البروتين على أنه عدو خارجي، ويقوم بتكوين أجسام مضادة خاصة للقضاء عليه، وهو الأمر نفسه الذي يحدث في حالة الإصابة الحقيقية. وعند تعرض الجسم لاحقاً للفيروس يكون الجهاز المناعي قد تم تدريبه لعمل الأجسام المضادة.
وأوضح الباحثون أن اللقاح لا يتسبب في العدوى، ولا يدخل نواة الخلايا المناعية في الجسم، ولا يغير خصائص الحمض النووي (DNA) الخاص بالإنسان، وأنه لا داعي للمخاوف المختلفة التي تنتاب أولياء الأمور بشأن التطعيم، خصوصاً أن أعداد الأطفال في الولايات المتحدة الذين عانوا من «كورونا» بلغت 3.8 مليون طفل منذ بداية الجائحة.
وحتى إذا وضعنا في الاعتبار أن الحالات الخطيرة كانت قليلة لا يمكن اعتبار فيروس كورونا من الأمراض العادية التي يمكن المخاطرة بحدوثه. وهناك العديد من الحالات تفاقمت بعد فترة من تحسنها، وهو الأمر الذي يجعل اللقاح خياراً أفضل بكثير جداً من ترك الطفل لاحتمالية الإصابة.
- فاعلية عالية
تعتبر الموافقة على خفض الفئة العمرية إلى 12 عاماً بادرة أمل لتعميم استخدامه في الأطفال حتى في الدول التي تستخدم اللقاحات الأخرى، حيث أظهرت النتائج مدى فاعلية المصل في الوقاية بنسبة تقترب من 100 في المائة. وفي القريب العاجل يمكن الوصول إلى «مناعة القطيع» في المجتمع (المناعة المجتمعية) عند تطعيم معظم السكان.
وقد قام الباحثون بإجراء التجارب على 2000 من الطلاب تتراوح أعمارهم بين 12 و15 عاماً، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين؛ تناولت المجموعة الأولى اللقاح على جرعتين يفضل بينهما ثلاثة أسابيع، وتناولت المجموعة الثانية عقاراً وهمياً (placebo) بالكيفية نفسها.
كان ارتفاع درجة الحرارة هو أكثر الأعراض حدوثاً في الفئة العمرية من 12 إلى 15 عاماً، وحدث بنسبة 20 في المائة من الإصابات بـ«كورونا» أثناء التجارب، بينما حدث بنسبة 17 في المائة فقط في التجارب السابقة على الفئة العمرية الأكبر من 16 وحتى 25 عاماً. وقام العلماء برصد 18 حالة من المصابين بأعراض بين المجموعة التي تناولت العقار الوهمي. وفي المقابل لم يتم رصد أي حالات في المجموعة التي تناولت اللقاح حتى أن أحد المشاركين وهو صبي في الرابعة عشرة من عمره كان على يقين أنه تناول العقار الوهمي لأنه لم يشعر بأي أعراض بعد تناول اللقاح.
نصحت الدراسة الآباء بضرورة تطعيم أبنائهم، وعدم التردد في ذلك، وعدم الإصغاء للشائعات غير العلمية فيما يتعلق بفاعلية اللقاح أو خطورته المستقبلية.
وأشارت إلى أن نسبة الآباء الراغبين فعلياً في إعطاء اللقاح إلى أطفالهم هي 29 في المائة فقط، وهي نسبة قليلة بالطبع، ولكن من المتوقع أن تزيد مع الاستخدام الواسع للقاح، خصوصاً أن هناك اتجاهاً لجعل التطعيم إلزامياً لدخول المدارس عند بداية العام الدراسي الجديد بدون التقيد بنوعية معينة من اللقاح، حتى يمكن للحياة الدراسية أن تعود كما كانت. وما زالت توصيات مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها (CDC) كما هي بضرورة التباعد الاجتماعي وارتداء الكمامات في الأماكن المغلقة، مع الالتزام بغسل الأيدي باستمرار، ومع الوقت يمكن فك القيود بشكل تدريجي، كلما زاد عدد السكان الحاصلين على التطعيم.
وفي حالة وصول نسبة الحاصلين على اللقاح إلى 70 في المائة، يكون المجتمع قد حصل بالفعل على مناعة القطيع عن طريق التطعيم، وليس المرض، خصوصاً أنه لا توجد موانع لتناول اللقاح إلا الحساسية من مكوناته.
- استشاري طب الأطفال