لمدة 255 يوما عاش مجلس التعاون الخليجي واحدة من أعنف أزماته، لم يكن مستبعدا مع هذه الأزمة أن نرى دولة وقد عُزلت خارجه.
مائتان وخمسة وخمسون يوما هي العمر الرسمي على الأقل، للخلاف الخليجي الثلاثي مع قطر، وأفرز سحب سفراء الرياض وأبوظبي والمنامة من الدوحة، وتجميدا للعلاقات الثنائية بشكل غير مسبوق، قبل أن تنفرج الغمة وتنقشع الأزمة، ويعلن رسميا من الرياض عن نهاية الخلاف، وعودة قطر لحضنها الخليجي الذي غردت عنه بعيدا.
من رصد الأزمة الخليجية القطرية منذ بدايتها، كان يرى بوضوح الرغبة القطرية الجامحة في إنهاء هذا الخلاف بأي صورة كانت. الاعتراف بكثير من التحفظات التي أبدتها الدول الثلاث وعدم المكابرة. التوقيع على اتفاق الرياض الذي يمنع تدخل أي دولة خليجية في شؤون دولة أخرى. زيارات رسمية على مستوى عال لا تنتهي. رسائل دبلوماسية في كل الاتجاهات.
فعلا لم تتوقف الدوحة يوما عن طرق كل الأبواب، وهو ما أحرج الدول الثلاث، التي ترى أنها تريد أفعالا وليس أقوالا. كانت الرغبة القطرية جامحة في إصلاح ما انكسر، وفي نفس الوقت كانت هناك مشكلة عدم قدرة الجانب القطري انتزاع ثقة الدول الثلاث وإقناعها بأنه جاد وقادر على إغلاق نوافذ الشر أساس المشكلة. ومع كثير من المحاولات القطرية لردم الهوة، وشد وجذب حول ضمان عدم تكرار أي من تجاوزات الماضي، كان لا بد من حكمة تأخذ بيد هذا المجلس من أخطر أزماته، وقد كان لها خادم الحرمين الشريفين، الذي - وللتاريخ - لم يتعامل مع الأزمة فقط لأنه ملك للسعودية، ولكنه تعامل معها أولا وأخيرا باعتباره كبير البيت الخليجي.
يقول لي وزير خليجي، تعليقاً على المصالحة: «الملك عبد الله هو رب العائلة الخليجية، لا نشك في حكمته، ونؤمن أنه يأخذ في الاعتبار مصلحة الجميع، وليس مصلحة بلاده فقط».
يبقى السؤال: هل انتهت الأزمة؟ وهل سيعود الخليجيون للغناء كما كانوا بكل براءة: «خليجنا واحد؟».
من السابق لأوانه اعتبار الأزمة طويت بالكامل، ولنعترف بأن هناك جذورا للمشكلة حُلَّ بعض منها، والبعض الآخر معلقا، وجزء ثالث لا يزال غامضا، ربما الأشهر القادمة تكون كفيلة باختبار حسن النيات لتغليب المصالح العامة، وليس المصالح الضيقة لدوله، مع عدم إغفال أن الأزمة العنيفة هذه أفرزت أيضا ردود فعل شرسة فاقت المتعارف عليه عند الخلاف بين الخليجيين، عندما فجر من هم محسوبون على بعض الأطراف في الخصومة، وما زالوا، ضد دولة ما أو شخصيات بعينها، وهذا بالتأكيد لن تغفره تلك الأطراف مهما مدت يدها لأشقائها. فرق كبير بين أن تختلف معي وتسجل موقفك بنقد موضوعي، وبين أن تشتمني بأبشع الأوصاف أو تطعنني. صحيح أن الخليجيين يتجاوزون الخلافات السياسية، ولديهم من البراغماتية الشيء الكثير، لكنهم لا ينسون الاختلافات الشخصية، وما يصاحبها من تعريض وشتائم.
سيعيش مجلس التعاون الخليجي في شهر عسل حتى انعقاد القمة الخليجية المقبلة في الدوحة في ديسمبر (كانون الأول) المقبل، والتي كانت مهددة بعدم الانعقاد لأول مرة منذ تأسيس المجلس عام 1981. من يدري قد يستمر شهر العسل وقطر تترأس هذه القمة طوال العام المقبل، وتستضيف اجتماعات اللجان الوزارية الخليجية، وشهر العسل هذا كاف لأن نستطيع القول إن الخلاف الخليجي كان سحابة صيف مرت وانتهت إلى غير رجعة، أم أن السماء لا تزال ملبدة بالغيوم؟
الخطير لو عادت الأزمة وانفتح الجرح مجدداً لا سمح الله، الأكيد أنها ستعود بأشد وأخطر وأعقد مما كانت، وستفرز قرارات لا أحد قادر على استيعاب تأثيراتها.
دعواتكم لأن يستمر شهر العسل ولا ينتهي أبداً، حتى لو كانت الأمنيات تحتاج أن تصاحبها أفعال أيضاً.
8:7 دقيقه
TT
شهر العسل الخليجي
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة