هاني عبد السلام
مسؤول قسم الرياضة
TT

خسارة في الملعب وأخرى في استثمار أمم أفريقيا

حسناً فعل أن استقال أعضاء اتحاد الكرة المصري، ليس فقط لأن المنتخب غادر مبكراً بطولة أمم أفريقيا، بل لأنهم أثبتوا فشلهم في إدارة اللعبة محلياً في دوري ملغمّ بالمشاكل لم ينتهِ بعد، وتغافل من رجال الاتحاد في التحقيق بملف أزمة الخروج القاسي من المونديال الروسي الذي تم طيُّه.
لقد وعدت مصر بتقديم بطولة أمم أفريقية رائعة، وأظن أنها في سبيلها لتحقيق ذلك، بسبب الجهد الخارق الذي بذلته الدولة لتحسين جودة الملاعب، لكن في الوقت ذاته غفل رجال اتحاد الكرة، خصوصاً القائمين على التنظيم وتسويق البطولة، عن كيفية استغلال الحدث تجارياً، ما أهدر فرصاً كانت سانحة لجلب ملايين الجنيهات.
من واقع أنني كنتُ قريباً من الحدث، وأقوم بتغطية البطولة في أيامها الأولى برفقة زملاء من بلدان أوروبية حرصوا على متابعة أكبر تجمع كروي أفريقي، أرى أن القائمين على تنظيم الحدث رياضياً (من إعداد الملاعب وتنظيم حفل الاحتفال) قد تفوقوا على نظرائهم (إذا كانت هناك لجنة مخولة بذلك) في تسويق البطولة تجارياً.
لقد نبهني زميل دنماركي مراسل لإحدى المجلات الرياضية إلى عدم وجود أي متجر بالاستادات المصرية التي تستضيف المباريات يبيع شعارات أو تميمة كأس الأمم الأفريقية، أو حتى قمصان وإعلام الدول المشاركة بالبطولة؟ وظننت أنه ضلّ الطريق ولم يحسن البحث لأنه ليس عربياً، فقررت التجوال معه حول استاد القاهرة الدولي، وبالفعل لم نجد شيئاً، وسألنا المسؤولين الإعلاميين بالبطولة فلم نجد رداً شافياً.
طلبتُ من زميلي هذا أن ننتظر إلى المساء، ونقوم بجولة في متاجر وسط القاهرة، وأيضاً الأماكن السياحية التي عادة ما يلجأ إليها الزوار الأجانب في زيارتهم لمصر، وللأسف لم نجد أيّ محال تبيع أي شيء له علاقة بالبطولة.
في العادة، وخلال تجاربنا مع البطولات الكبرى كنا نشعر منذ أن تحطّ أرجلنا في مطارات الدول المستضيفة بأننا محاطون في كل مكان بشعار البطولة وباعة للمجسمات وقمصان وأعلام وتذكارات متنوعة وبجميع الأحجام والألوان. إنها فرصة لجنى ثمار عظيمة من المكاسب المالية من أشياء تبعث على السعادة للجماهير الزائرة.
للتذكرة، فقد جنت روسيا من بيع الهدايا التذكارية فقط لرموز بطولة كأس العالم 2018 نحو 100 مليون دولار، بينما وصلت الأرباح من الدخل السياحي للحدث إلى ما يقرب من مليار دولار. والأرقام نفسها أو أقل قليلاً تكررت في مونديال البرازيل 2014. أما ألمانيا، فقد حققت 300 مليون دولار أرباح من الهدايا التذكارية فقط لمونديال 2006.
لا يمكن تبرير أمر إغفال استثمار بطولة أمم أفريقيا بعامل الزمن، وأن مصر حصلت على حق التنظيم قبل 5 أشهر فقط من الانطلاق. إن مَن نجح في إعداد هذه الملاعب كان بإمكانه طباعة ملايين القمصان أو صناعة نماذج «توت» شعار البطولة. ونتخيل لو أن محيط استاد القاهرة العملاق قد تم تأجيره لأكشاك مؤمّنة لبيع هذه التذكارات وأشياء أخرى للدعاية والسياحة، ولو أن كل متفرج من الـ75 ألفاً الذين يتابعون المباريات في هذا الملعب قد دفع جنيهاً واحداً، كم من الأرباح من الممكن جَنيُها خلال البطولة؟!
لقد عاد صديقي الدنماركي إلى بلاده دون وشاح أو قميص يذكّره بهذه البطولة، ولا تبدو الفرصة متاحة الآن لتدارك الموقف وصناعة بعض التذكارات، خصوصاً بعدما ودّع المنتخب المصري المنافسات مبكراً، وهو الأمر الذي قد يعيد استاد القاهرة مهجوراً خالياً من الجماهير.