بين الدول العربية التي داهمها قطار ما أطلق عليه «الربيع العربي» في 2011 كانت مصر تقريبا هي النموذج الأبرز الذي تمكنت فيه الدولة بتعريفها الشامل من الحفاظ على قدر من التماسك في وجه إعصار أدى إلى تلاشي أو انحسار الدولة كمظلة لكل المنتمين جغرافيا لسيادتها في دول أخرى، أو حتى تفككها بما تبع ذلك من تداعيات أفرزت ظواهر منازعة ميليشيات وتنظيمات لمفهوم السيادة.
وبحكم الموقع المحوري، والتأثير الإقليمي والدولي، المكتسب من تاريخ طويل تأثر وأثر في ما حوله سياسيا وثقافيا وحضاريا، كان هناك قلق مشروع خارج مصر على تماسك الدولة المصرية، بسبب التقلبات والأزمات التي اتسمت بها الفترة من بعد 25 يناير (كانون الثاني) 2011 حتى الآن، وكان الخوف على الاستقرار في مصر يصاحبه دائما ثقة في قدرة هذا المجتمع على تجاوز أزماته والعودة قويا إلى محيطه العربي، كما فعل في فترات تاريخية سابقة.
ثلاث سنوات تقريبا عاصفة، مليئة بالأزمات والصدمات، أنجزت فيها انتخابات رئاسية وبرلمان، لكنها لم تكن مرضية للمصريين الذين شعروا بأن هناك حاجة إلى تصحيح المسيرة، فجاء التغيير مرة أخرى في 30 يونيو (حزيران) لتوضع خارطة طريق جديدة، تفيد كل المؤشرات القادمة من هناك بأنها تحظى بقبول مجتمعي ورغبة في إنجازها، رغم أحداث العنف التي تصاعدت في الفترة الأخيرة في ما يبدو أنها محاولة لتعطيل هذه المسيرة.
لم تجتز مصر عنق الزجاجة بعد، وهي في أشد الحاجة إلى اجتيازه باستحقاق الدستور الجديد الذي ستبدأ عملية الاستفتاء عليه في السفارات المصرية للمصريين في الخارج الأسبوع الحالي، وداخل مصر الأسبوع المقبل. وقد جاء إعداد مسودة الدستور من قبل لجنة الخمسين بعد مناقشات واجتماعات مطولة على مدار أشهر كإنجاز مهم وأول خطوة عملية في خارطة الطريق الموضوعة. لكن الأهم في هذا الاستحقاق هو الاستفتاء في حد ذاته، وإذا كانت المؤشرات تفيد بأن هناك قبولا مجتمعيا ورغبة في الانتهاء من هذا الاستحقاق، فإن الأهم أن يكون الخروج للتصويت بأغلبية شعبية كبيرة، فهذا هو الذي سيعطي إشارة واضحة ليس فقط إلى الداخل ولكن أيضا إلى الخارج الذي سيكون مهتما أكثر من أي شيء آخر بنسب التصويت بأن مصر ستخرج من عنق الزجاجة.
المهم في عملية الاستفتاء هو أنه سيعطي إشارة الانطلاق لدوران العجلة بعد ثلاث سنوات من الركود والخسائر الاقتصادية والأزمات السياسية، بما سيتبع ذلك من استحقاقات أخرى هي الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولا يعني ذلك أن المشاكل أو الأزمات ستختفي فورا، لكنه يعني القدرة على البدء في حلها، وتعامل الشرعية الجديدة داخليا وخارجيا بثقة وقدرة.
ما يبعث على الثقة هو المظاهر التي لا تخطئها عين موضوعية بأن هناك واقعا جديدا يتشكل ويشق طريقه منذ 30 يونيو الماضي، ومن شأن الانتهاء من إقرار الدستور واستكمال انتخابات برلمانية ورئاسية إعطاء أفق جديد يتفق عليه المصريون للعمل السياسي ولعودة السياحة والمستثمرين، وهو ما يحتاجه الاقتصاد المصري بشدة.
9:28 دقيقه
TT
مصر واستحقاق الدستور
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة