حصل العريف مانينغ على تسريح غير مشرف بالحكم الذي صدر بحقه، لكنه تلقاه بشكل مشرف. عندما تلا القاضي الحكم صباح الأربعاء الماضي بسجن الشاب 35 عاما لتسريبه معلومات سرية إلى موقع «ويكيليكس»، بكى أفراد عائلته ومناصروه صارخين: «نحن معك، أنت بطل».
لكن مانينغ، الذي سارع بمغادرة الغرفة بعد تلاوة الحكم، كان فلسفيا، فقال لمحاميه الكولونيل ديفيد كومبس، الذي بكى حزنا على مصير موكله: «حسنا، لا ضير، أنا بخير، سأتغلب على ذلك».
نُقل مانينغ إلى سجن في قاعدة فورت ليفنورث، لكن كومبس عقد مؤتمرا صحافيا في فندق قريب بعد الظهر وتلا بيانا من مانينغ إلى الرئيس أوباما يطلب فيه العفو.
وقال البيان: «أنا أدرك أن ما قمت به انتهاك للقانون. وأنا نادم إن كانت أفعالي قد تسببت في أذى لأي شخص أو أضرت بالولايات المتحدة. عندما اخترت الكشف عن معلومات سرية، قمت بذلك بدافع من حبي لبلادي وشعور بالواجب تجاه الآخرين. إذا رفضت طلبي بالعفو، فسوف أقضي فترة السجن وأنا أعلم أنه في بعض الأحيان أنه ينبغي أن تدفع ثمنا باهظا للعيش في مجتمع حر. وسوف أدفع هذا الثمن بسعادة إذا كان ذلك يعني أننا سنحظى بدولة تؤمن فعلا بالحرية».
مكانة مانينغ كانت أصدق توصيف لمكانة إدوارد سنودن، مسرب معلومات وكالة الأمن القومي الذي يختبئ الآن من العدالة الأميركية في روسيا. اعترف مانينغ بما فعله، واستخدم محاكمته والحكم للتأكيد على عدالة قضيته. تلك القضية وصفها كومبس، الذي وقف برأسه الحليق كرجل عسكري وبثياب محام مدني أمام كاميرات 20 قناة تلفزيونية وأجاب عن الكثير من أسئلة الصحافيين بمهارة.
وقال كومبس: «وفق الإدارة الحالية، ينظر إلى تسريب معلومات سرية إلى وسائل الإعلام على أنه مساوٍ لمساعدة العدو. تهدد هذه الإجراءات القمعية الحكومية الواسعة ضد الواشين، واتساع رقعة هذه الإجراءات القمعية لتطال الصحافيين، بإعاقة تدفق المعلومات التي تشكل أهمية للشعب الأميركي». وأضاف كومبس: «إن الدولة التي تواجه فيها عقوبة الإعدام في حال قمت بتسريب معلومات إلى صحافي، ليست أميركا التي أحلم بالعيش فيها».
نفى مانينغ تهمة مساعدة العدو وقد جذبت محاكمته الانتباه إلى ممارسة الحكومة بإلصاق صفة السرية بالأمور التي ينبغي على الشعب أن يعرفها. إن سرطان المبالغة في السرية يهدد نسيج المجتمع الحر. فالمبالغة في السرية تعوق النقاش، وما نعرفه عن الحكومة، بشأن التوصل إلى حلول للمشكلات العامة مثل أسلوب حياتنا في عالم ما بعد 11 سبتمبر (أيلول)».
هناك بطبيعة الحال آراء متفاوتة بشأن مانينغ، وأعتقد أنه تمادى كثيرا، عندما كشف عن معلومات حيوية، لكنه فقد سلطته الأخلاقية بنشره كل أنواع الوثائق الحكومية التي أحرجت المسؤولين الأميركيين من دون خدمة الصالح العام. فقد خرق القانون وكان من المتوقع أن يصدر بحقه - سيكون بمقدوره التقدم لإطلاق سراح مشروط خلال سبع سنوات - حكم أشد وطأة.
لكن أيما كان رأيك بشأن مانينغ، فإن محاكمته والمعاملة التي تلقاها قبيل المحاكمة تكشف عن مدى حالة النشاط التي يتمتع بها الأمن القومي، حتى في ظل إدارة رئيس ديمقراطي. فقد كان المتهم الصغير السن يقبع 23 ساعة في زنزانة صغيرة من دون الحق في الحصول على ملابس جديدة. وقال كومبس، إن المئات من موكليه، من بينهم قتلة ولصوص، كانوا يقضون وقتا أقل في الزنزانة من مانينغ.
واستعدادا للمؤتمر الإخباري الأكاديمي ارتدى كورنيل ويست وعشرات من الناشطين المحليين قمصانا سوداء كتب عليها «الرئيس أوباما، اعفُ عن برادلي».
وقال مسؤولون في الإدارة، إن مانينغ تسبب في ضرر حقيقي للمصالح الأميركية، وإن إعفاء الرئيس عنه أمر غير محتمل، لكن في الوقت الذي سيقضي فيه مانينغ عقوبته في ليفنورث، يستطيع مانينغ أن يعرف أنه أسهم في نقاش مهم بشأن حالة الأمن القومي. وأوضح كومبس أن المراسلين قد يخضعون للمحاكمة بتلقي معلومات سرية، وأن الإدارة الحالية أجرت محاكمات بشأن تسريبات أكثر من الإدارات السابقة وهاجمت الواشين. يأتي على رأس ذلك، الرسالة التي بعثت بها محاكمة مسرب «ويكيليكس»، التي تقشعر لها الأبدان، والتي لقيت تأييدا على أعلى المستويات في الإدارة.
أنت لست بحاجة إلى الاتفاق مع ما قام به مانينغ لتتفق مع كومبس على أن السرية الحكومية تمادت بشكل كبير.
* خدمة «واشنطن بوست»