لا يختلف عاقلان على أن ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) جماعة إرهابية، جاءت من كل حدب وصوب لتنشر الرعب والخراب حيثما حلّت.
هذا التقدم على الأرض في العراق لعناصر «داعش» ومَن والاهم، لا يمكن اختزاله بالزعم أنه لقوة فيهم أو نتيجة لدعم خارجي، أو تنفيذًا لمؤامرة تُحاك على العراق ووحدته. بل إن الحقيقة التي لا يريد نوري المالكي، رئيس وزراء العراق المنتهية ولايته، الإقرار بها، هي إخفاقه في توحيد بلد مزّقته السياسات الطائفية والإقصائية، وتنفيذه جدول أعمال مشروع إيران التوسعي في منطقة الشرق الأوسط.
لقد كانت سنوات حكم المالكي للعراق سنوات عجافًا، نُهبَت فيها الخيرات وتعمّق خلالها الانقسام بين أبناء الشعب الواحد، بل انقسمت السلطة نفسها، بعدما ظهر جليًّا للقاصي والداني أن المالكي يحكُم بالوكالة، وينفذ تعليمات طهران حرفيًا، حتى لو أدت سياساته إلى تقسيم العراق وتفتيته.
ولعل آخر ما ارتكبه، أمام اقتراب الخطر من «منطقته الخضراء» في بغداد، اختياره التحريض السافر، واستنهاضه الغرائز الطائفية، واتهامه الجيران وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية بـ«رعاية الإرهاب» في العراق والمنطقة، وكذلك اتهام حلفائه السابقين من الأكراد وبعض الأحزاب السنية بالتواطؤ مع الجماعات المسلحة لقتل الشيعة. وهذا، بدلًا من تغليب المصلحة الوطنية وتحمل المسؤولية وتغيير نهجه الفئوي الإقصائي، بعدما فقد «جيشه» ثلثي البلاد وانحصر نفوذ ميليشياته في بغداد وما دونها جنوبًا. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن سنة الأنبار، بالذات، كانوا قبل سنوات قليلة في طليعة المتصدين لـ«القاعدة»، غير أن المالكي رد على صدق وطنيتهم وحرصهم على وحدة العراق بمزيد من خطوات الإقصاء والتهميش.
لقد كان من الطبيعي أن يأتي الرد السعودي واضحًا وحازمًا على لسان وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل، الذي ذكّر المالكي بأنه هو مَن قوّض قدرة الجيش العراقي باحتفاظه بالمناصب الأمنية كافة، وهو من أجّج نار الطائفية في بلاده بتعامله السيئ مع بعض المناطق التي لم تجد اليوم من خيار إلا الثورة عليه وعلى سوء حكمه. ومن ثم قال: «نجم عن هذا الوضع تفكيك اللحمة بين مكوّنات شعب العراق وفتح الطريق لكل من يضمر السوء لهذا البلد، لكي يمضي قدمًا في مخططات تهديد أمنه واستقراره، وتفتيت وحدته الوطنية وإزالة انتمائه العربي».
نوري المالكي اليوم المرفوض سنيا وكرديا وإقليميا، كما أنه مرفوض عند كثيرين من عقلاء الشيعة ووطنييهم. وبالتالي، ما عاد له من نصير سوى إيران و«حرسها الثوري»، ومن يسعون إلى تفجير المنطقة عبر تأجيج نار الفتنة الطائفية إقليميا علّها تنقذه وحكمه.
ما لم يتعلمه المالكي من التاريخ، هو أن النار قد تأكل مضرمها أولًا. وأن إيران، كما تجاهلت مطالب الشعب السوري، وعملت ولا تزال تعمل على دعم شخص واحد، خدمة لمصالحها، فانهارت سوريا، ها هي اليوم تتجاهل مطالب الشعب العراقي وترسل القوات وتصدر الفتاوى، وتنحاز لطائفة على حساب بقية المكونات دعمًا لشخص واحد ما قد تتسبب في انهيار العراق واشتعال المنطقة بأسرها.
إن الإرهاب «الذي تمارسه جماعات منتمية للسنة» مرفوض ومدان بالمطلق، وكذلك «حكام الطوائف» مرفوضون ومدانون جملة وتفصيلًا. وهكذا أصبح رحيل نوري المالكي بداية العمل الجدي لإنقاذ العراق، لأنه أساس المشكلة، ولا يصلح ليكون جزءًا من الحل.