وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

أميركا و«جيش الحسكة»

إن صحت رواية المرصد السوري لحقوق الإنسان، تخطط الولايات المتحدة لتشكيل جيش «وطني» سوري في ريف الحسكة (شرق سوريا)، ليكون القوة الوحيدة المخولة التوجه نحو محافظة دير الزور، التي يسيطر تنظيم داعش على معظم أراضيها.
«تعيش وتفوق، واشنطن ذاهبة إلى الحج والناس راجعة». ولكنّ السؤال الذي يحركه القرار الأميركي يبقى: هل يعود اهتمام واشنطن المتأخر بتشكيل «جيش الحسكة» إلى مقتضيات محاربة «داعش» فحسب، أم يتعداه إلى خطة معدة لمحافظة دير الزور أيضاً؟
عملياً، يصعب فصل الاهتمام الأميركي بشرق سوريا، في هذه المرحلة بالذات، عن معطيات المنطقة وإمكاناتها الاقتصادية والاستراتيجية، ما يرشحها لدور ما، في التسوية السياسية المرتقبة في سوريا، خصوصاً أنّ تسمية «سوريا المفيدة»، لم تعد تقتصر على غرب سوريا فحسب، إذ إن ثروات المنطقة المعدنية (غاز وبترول)، وأراضيها الزراعية الخصبة (منطقة الجزيرة)، تؤهلها لأن تكون دولة مكتفيّة ذاتياً بإمكاناتها، ودولة «فاصلة» بين سوريا والعراق.
ربما كانت هذه المعطيات سبب اختيار «الداعشيين» لها لأن تكون نواة دولة الخلافة المزعومة. ولكن لماذا عودة واشنطن اليوم إلى فكرة تشكيل جيش لا طائفي (وهو المقصود في القاموس الأميركي «بالوطني»)، بعد أن فشل مشروع تشكيل وتدريب «جيش سوري حر»، والأهم من ذلك، بعد أن فاتت على واشنطن فرصة الإمساك بزمام المبادرة في النزاع السوري في بداياته واختيارها النأي بالنفس عنه إلى حد شجع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على أن يخترق سياسياً وعسكرياً، ما كان، تقليدياً، منطقة نفوذ أميركي خالص.
من المبكر الإحاطة بكل دوافع «تردد» الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما (سواء الشخصية أم السياسية) في اللجوء إلى القوة في سوريا حتى بعد أن توفر دعم دولي لقرار التدخل عام 2012.
ومن المحيّر، في عهد الرئيس دونالد ترمب، تحديد «الجهة» الرسمية التي توجه دبلوماسية عهده في الشرق الأوسط: هل هي وزارة الخارجية - التي تعكس عادة رغبات الإدارة والكونغرس - أم البنتاغون - الذي يعتمد مفهوم المؤسسة العسكرية لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة... أم هذا وذاك معاً، ممّا قد يفسر تناوب لغة الدبلوماسية ولغة القوة في مقاربة واشنطن للنزاع السوري.
عودة التوتر إلى العلاقات الأميركية - الروسية، بعد فرض واشنطن عقوبات اقتصادية جديدة على موسكو، أثار احتمال اعتماد واشنطن مواقف أكثر تشدداً حيال الدور الروسي في سوريا. ولكن ما تسرب عن الأجواء المريحة للقاء وزيري خارجية البلدين، سيرغي لافروف وريكس تيلرسون، الأحد الماضي في مانيلا، بدّد هذا الاحتمال وأوحى بأن إدارة الرئيس ترمب تتعامل مع أزماتها «بالمفرق» وليس «بالجملة».
ولكن ما يصعب إغفاله أنّ الإعلان الأميركي عن تشكيل «جيش الحسكة» - إذا أُخذ على محمل الجد - يأتي في وقت ينتعش دور اللاعبين الصغار في شرذمة سوريا إلى مناطق «خفض توتر» متعددة الولاءات الإقليمية (من تركية إلى كردية...)، وموحدة «المظلة» الدولية، ما يبرر التساؤل عما إذا كان «جيش الحسكة» مرشحاً لجمع فصائل المعارضة المتعاطفة مع واشنطن، في مواجهة الفصائل المتعاطفة مع روسيا فنشهد عندئذ حالة استقطاب للنزاع السوري بين الدولتين العظميين من شأنه أن يطيل أمد النزاع ويعيد خريطة الشرق الأوسط إلى لوحة رسم الحدود الجغرافية.
قد يبدو هذا الاحتمال مستبعداً في الوقت الحاضر. ولكنّ ذلك لا يقلّل من دور «دولة» محافظة دير الزور في مواجهة تنامي النفوذ الإيراني في دول «الهلال الشيعي الخصيب».