باري ريتهولتز
TT

العالم والتغيير بالغ السرعة

أحياناً نعتبر أن ما نراه أمام أعيننا من المسلمات. فقد تفشى التدمير الإبداعي الذي تسببت فيه التكنولوجيا للدرجة التي أصبحنا نراه مبتذلاً. فمن السهل تجاهل ليس فقط السرعة التي ينتشر بها التمزق الاجتماعي الذي تتسبب فيه التكنولوجيا، ولكن أيضاً السرعة التي تسير بها عملية التغير ذاتها. فمثل هذا التغيير وتأثيره على الأسواق والشركات والعمال بات مذهلاً.
تذكرت هذا أثناء عطلة نهاية الأسبوع الماضي عندما كنت أشاهد فيلم «ذا بيغ سيك» المستمد من الحياة الواقعية لكميل ننجاني، الذي شاهدناه في دور «دينيش» بفيلم «وادي السيليكون»، حيث شاهدنا من خلال أحداثه كيف أن الأمور تتغير سريعاً.
يلعب ننجاني دور ممثل «ستاند أب كوميدي» ويعمل حالياً أيضاً سائقاً بشركة سيارات «أوبر» خلال ساعات النهار. يعتمد أغلب الفيلم على أحداث جرت منذ عقد مضى. واللافت أن شركة أوبر لم تكن موجودة في تلك الفترة، كذلك مثل هاتف «آيفون» مرجعية أساسية في الفيلم، وكان أبعد من أن يكون في المتناول كما هو اليوم. فقط فكر للحظة في أهمية هذه البيانات: فهاتف آيفون الذي احتفل للتو بعيد ميلاده العاشر، وشركة أوبر هي الأخرى وليدة اليوم، كلاهما بات يمثل أعمدة الأفلام ويمر دون أن يلحظه أحد.
تجاهل الميلودراما في بدلة مدير شركة أوبر التكنولوجية وفكرْ كيف أن التطبيق قد غير في سرعة انتقال الناس في المناطق الحضرية. ففي مدينة نيويورك التي أعيش فيها، أوجدت شركة أوبر حالة من الفوضى في صناعة سيارات الأجرة وفي عمل القائمين عليها، تحديداً لجنة سيارات الأجرة والليموزين. وقدرت شركة «مورغان ستانلي» أن أسهم سيارات الأجرة الصفراء ستتراجع بواقع 25 في المائة بدءاً من صيف 2015 إلى صيف 2016، فيما هبطت قيمة باقي سيارات الأجرة بواقع يتعدى 50 في المائة. وفي يناير (كانون الثاني) 2017، بلغت نسبة سيارات الأجرة الصفراء نحو 48 في المائة من إجمالي سيارات الأجرة مقارنة بنسبة 68 في المائة في يناير 2016. وتسبب ذلك في تخلف أصحاب تلك السيارات عن سداد أقساط شرائها وشاعت حالات الإفلاس بينهم. وبعد أن كانت رخصة التاكسي الأصفر تعني رخصة بطباعة المال، باتت الآن غير قابلة للبيع.
المفارقة العجيبة هنا هي أن السبب في ظهور «أوبر» واجتياحها السوق يرجع إلى مؤامرة حاكها أصحاب السيارات الصفراء، بتقليص أعداد سياراتهم في نيويورك لتعزيز احتكارهم لها وزيادة الطلب عليها، وكانت النتيجة ظهور «أوبر» التي أزاحتهم جميعاً.
بالطبع علينا أن نعترف أن «أوبر» ما كان لها أن تأتي إلى الوجود من دون امتلاك أعداد ضخمة من الناس هواتف متطورة في جيوبهم تشتمل على تطبيقات لتحديد المواقع. فشركة «آبل» التي تنتج هاتف «آيفون» هي الأخرى غيرت قواعد اللعبة وجعلتنا نرى منتجها الإبداعي، وما أحدثته من تغيير من المسلمات اليوم. لكن هذا التغيير تسبب في التمزق الاجتماعي السريع في عدد من أوجه الحياة أكثر من سرعة التغيير نفسها.
فقط فكر في الوقت الذي يستغرقه منتج تكنولوجي جديد لكي يحصل على الرضا التام للعميل. فقد أشارت صحيفة «وول ستريت جورنال» إلى أن الهاتف الأرضي احتاج إلى 75 عاماً لكي يصل إلى 50 مليون مستخدم، فيما احتاجت الطائرات إلى 68 عاماً، والسيارات إلى 62 عاماً، ومصابيح الإضاءة إلى 46 عاماً، والتلفاز إلى 22 عاماً ليحققوا عدد المستخدمين نفسه وهو 50 مليون مستخدم. ولكي نرى فارق السرعة في أحداث التغيير، فقط علينا أن نعلم أنه منذ عام 2000، حققت مواقع «يوتيوب» و«فيسبوك» و«تويتر» عدد المستخدمين نفسه في أربعة أعوام وثلاثة أعوام وعامين على التوالي.
يدفعنا ذلك إلى العودة إلى «أوبر» التي مزقت صناعة سيارات التاكسي التقليدية، والمقبل هو أن سيارات «أوبر» ذاتية القيادة سوف تتسبب في الاستغناء عن السائقين في ولايات بيتسبرغ وأريزونا.
ليس لدنيا علم بالوقت الذي ستستغرقه التكنولوجيا لكي تؤثر على سوق العمل، لكننا ندرك أهميتها بكل تأكيد. وقديماً قال الفيلسوف هيراقليطس الذي عاش منذ 2600 عام: «لا شيء يثبت على حاله، فالتغيير حتمي». فنحن لا ندرك سرعة التغيير ونقلل دوماً من قدرته على جلب الخطر لنا.

*بالاتفاق مع «بلومبيرغ»