فهد سليمان الشقيران
كاتب وباحث سعودي
TT

قطر... ما بعد رفض المطالب

بانتهاء المهلة المعطاة لقطر من دول المقاطعة، تضع الإمارة الصغيرة نفسها في صراعٍ محتدم مع موج متلاطم لا ينتهي عند مطالبات الدول العربية الأربع، بل سيمتد لبقية دول العالم الداعمة للاعتدال والتسامح، والمحاربة للإرهاب. طوال أيام الأزمة الماضية، لم تأخذ قطر المطالبات إلا من خلال نظرة نفسية ضيقة، لم تعتبرها مطالب جدية من دولٍ اكتوت من الإرهاب، وارتوت شوارعها بالدم. السعودية ومصر والبحرين والإمارات من الدول المستهدفة من الإرهابيين، وكل الخلايا التي قبض عليها تغذت على منصاتٍ إعلامية بقطر، وقد تلقت منهم الدعم المباشر كما في سوريا، أو غير المباشر كما في مبالغ «الفدى» الفلكية، التي تدفعها قطر من دون تردد أو وجل. لم تقتنع قطر بأنها جزء من الحالة الإرهابية العالمية، وهذه مشكلة لها ستفاقم من أزمات النظام، وستجعله أمام استحقاقات غير مسبوقة.
وزير الخارجية القطري محمد آل ثاني كان متردداً باستمرار، يقول الشيء ونقيضه، ولم يكن بمستوى الأزمة الدبلوماسية القوية التي عصفت ببلاده، بل في آخر تصريحاته اعترف بدعم قطر للإرهاب. قال بالحرف الواحد: «قطر ليست وحدها في هذا الاتهام، بل هي تقع بأسفل القائمة من الاتهامات المتعلقة بهذا الجرم»؛ يعترف بوجود قطر على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، ومن ثم يستدرك ليضعها ضمن أسفل القائمة، ويخفف عنها أعباء المسؤولية من دون بقية الدول الأخرى، ولو أن قطر كانت لديها فاعلية دبلوماسية جدية خلال الأزمة لاستطاعت تأخير الآثار السلبية، واحتواء الأزمة، والدخول ضمن مسار فعلي مضمون، عبر الاستجابة للمطالب والحوار حول المستحيل منها، أو الصعب فيها، لكنها اختارت طريق العناد والمكابرة، ووقعت في فخّ التعاطي النفسي التاريخي «الارتكاسي» مع الأزمة، باعتبارها مهينة أو «جارحة»، حسب وزير الخارجية الأسبق حمد بن جاسم.
لم يعترض أحد على الوساطات الكثيرة التي سعت لاحتواء الأزمة، وإعادة قطر إلى البيت الخليجي، وعلى حدّ وصف الزميل محمد الرميحي، في تغريدةٍ له على «تويتر»، فإن الأزمة بآثارها قد تمتد إلى كيان مجلس التعاون، الذي كان ولا يزال المنظومة العربية الأنجح. لكن العناد غير المبرر من دولة قطر قد يجعل الدول أمام خياراتٍ وتخالفاتٍ أخرى، وهذه أخطر النتائج التي قد تترتب على «رفض المطالب» من قبل القطريين، وذلك لهدم نجاحات المجلس، الذي لم تكن فيه قطر منسجمةً منذ منتصف التسعينات إلى اليوم، لم تكن متفاعلةً مع أسسه وأهدافه، خصوصاً تجاه مقاومة المد الإيراني في الخليج، والسعي إلى لجمه.
يمكن لقطر أخذ الدرس من التعاون الاستثنائي بين السعودية والإمارات والبحرين، إذ تطبّق هذه الدول ما يشبه الوحدة الكاملة، وتصل الأفكار لمستوى التطابق التام في ملفاتٍ كثيرة شائكة، وآخر ذلك التشارك في قرار قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، ولكن ما يجمع بين هاته الدول أن الضربات القطرية عليها كانت مركّزةً؛ لو أخذنا الحق السيادي للإمارات بسحق جماعة الإخوان الإرهابية والمجرمة قانونياً، فإن منصات الإعلام القطري تعاملت معه بوصفه خبراً أمنياً وقمعياً، والبحرين التي تحارب الإرهاب في البلاد، أخذت الخبر وعالجته بوصفه عدواناً على الآمنين، وحين قامت السعودية بلجم التمدد الإرهابي بالقطيف والعوامية، اصطف الإعلام القطري مع إعلام «حزب الله»، فلا تكاد تفرّق بين المعالجات المطروحة.
الآن، وبعد رفض المطالب، تفتح قطر ثغرةً داخل البيت الخليجي، لتكون المسألة أكثر تعقيداً، والأزمة أطول استمراراً وتشابكاً. ليس سراً أن الأزمة قوية على قطر، ذلك أن محفزات وجودها ومسبباتها واضحة، بعد عقودٍ من التآمر، وذلك ليس افتراءً، بل ضمن تسجيلاتٍ بثّ بعضها، وثمة بعض آخر منها لم يبث، ووثائق ومعلومات تبين المدى الذي وصلت إليه قطر من المروق والخروج عن المنظومة الخليجية التعاونية. والآن، الكرة بملعب القطريين أنفسهم، والوقت ليس من صالح المجتمع القطري، ودول المقاطعة هي الرابحة من هذه المعالجة الضرورية للتمادي القطري، أضعف الإيمان أن تحرس أمنها من دولة تآمرت كثيراً طوال العقدين الماضيين.
رفض المطالب يعني رفض الاعتراف بالواقع الدولي الجديد، وهذا لن يكون ارتداده سهلاً على الإمارة الصغيرة التي تعاند باستكبار ليس له مبرراته.