وفيق السامرائي
ضابط متقاعد وخبير استراتيجيّ عراقيّ
TT

عراقيا.. هل أصبح الطريق مفتوحا لولاية ثالثة؟

ليس غريبا أن يرتكب سياسيون أخطاء، فالكل معرضون للخطأ، غير أن للأخطاء حدودا، إذا ما تجاوزتها تخرج من إطارها المتعارف عليه. وتشير مراجعة أحداث العراق خلال الـ11 عاما الأخيرة إلى أن بعض سياسيي «سنة عرب العراق» ممن أساء الزمن إلى الحضارة بإنجابهم قد تعدوا إطار الخطأ في سلوكهم، وجعلوا مناطقهم والشريحة التي ينتمون إليها في دوامة من الأزمات، ستبقى مستمرة إلا أن تنبذهم مناطقهم. فكل شيء مضطرب. نفر من النفعيين والجهلاء والطائفيين، وصلوا إلى مسرح الأحداث، فأثروا على حركة ذوي التوجهات والمواقف الصحيحة، ولا أحد يمكنه تفسير وصولهم إلا إذا استحضر نظرية المؤامرة.
من يُفتِ من كبار رجال الدين بحرمة مشروع خطير يتهم بالخرف، ومن «قاد مقاومة» لا يسلم من سهامهم، ومن قضى عمره بمشروع وحدوي ليبرالي - كانوا يخضعون له ويتملقون أمامه أشد التملق - أخذوا ينعتونه بما يحلو لهم من قاموس الشتم والذم! واللجوء إلى ألفاظ طائفية، والعودة إلى اهتمامات عبثية تربط الماضي بالحاضر بطريقة مملة، أدت إلى إغواء شباب ودفعتهم إلى مواقف يصعب عليهم حساب ما يترتب عليها من معضلات وردود فعل خطيرة. وقد ركب هذه الموجة أشخاص أصابهم غرور على طريقة الغرور الذي حطم ما كان البعض يتغنى بأنه «البوابة الشرقية». فهل هذا كله بدافع المال والمؤامرات إلى جانب معاناة يمكن معالجتها بطرق مختلفة؟
الآن، وفي هذه المرحلة المهمة، أصبح التنافس «الشيعي» سياسيا بعد أن فقد مسوغاته الطائفية، وليس معقولا ولا منطقيا أن يراد توجيه «سنة عرب العراق» لرفع شعارات طائفية بالية، أو أن يقدموا مشاريع تزيد معاناتهم وتضعف النسيج الوطني، وفي مرحلة ما، علمت أن رئيس البرلمان السابق إياد السامرائي طلب من رئيس الوزراء دراسة جدوى إلغاء سبع وزارات لتقليل هيمنة المركز على المحافظات، وقد تقبل الفكرة مبدئيا. وكان على البرلمان اللاحق برئاسة أسامة النجيفي متابعة الموقف، بدل التعويل على فكرة الأقاليم أو التلويح بها، والتي لن تجلب غير العنف والاقتتال، ولا شيء أكثر دلالة على الخطر من ملامح الصورة التي باتت عليها محافظة الأنبار.
ووفقا للمؤشرات، فقد حققت كتلة «متحدون» السنية تقدما واضحا في حصاد أصوات في مجالها كما توقعناه في مقال سابق، إلا أنها خسرت كثيرا في بغداد لأنها ركزت إمكاناتها في محافظة نينوى التي يتحدر منها رئيس القائمة أسامة النجيفي، وأهملت الثقل الذي يتمتع به كل من رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي ونائب رئيس الوزراء الحالي صالح المطلك إلى حد ما. ورغم الجهود التي بذلت فإن التوافق والانسجام بين النجيفي من جانب وإياد علاوي والمطلك من جانب آخر لم يعد يسيرا، حتى لو صرحوا خلاف ذلك، كما أن النهج السياسي لجماعة جمال الكربولي الموجودين حاليا ضمن «متحدون» قد يكون أقرب إلى تفضيل الاستقلالية. ويقود هذا الواقع إلى صعوبة استنتاج عودة القائمة العراقية بصفتها مظلة لـ«سنة عرب العراق» وصعوبة محافظة النجيفي على وحدة كتلته، علما بأن الخلاف في موضوع الإقليم الذي يتجه نحوه النجيفي يلقى معارضة شديدة.
إن أمام سياسيي «سنة عرب العراق» فرصة كبيرة للعودة إلى دور ريادي في نبذ التوجه الطائفي والمناطقي التفكيكي، والتفاهم مع الكتل الأخرى على أساس الديمقراطية للعراق ضمن سقف «الوحدة الوطنية والتعايش الأخوي»، وليس الانفصال عن الواقع تحت ضغط ظروف مؤقتة، يمكن تصحيح مسارها بالتعاون، وللتاريخ شواهد كثيرة في دروس التغلب على المراحل الصعبة ضمن الحقب التي تبقى ذاكرة الناس حافظة لها.
وعلى الرغم من شدة التناقضات، فمن بين السياسيين والمثقفين من يمكن أن يقدموا المزيد من أجل معالجة الأوضاع، إلا أن أمامهم مشوارا من العمل، حتى لو طال الوقت وأثقلت المعنيين المتاعب في وقت كثرت فيه التدخلات من اتجاهات متعددة. ومع أن الانتخابات قد لا تنقذ العراق من نظام التوافق السياسي الصعب، فلا بد أن تكون خطوة مهمة إلى الأمام. ووفقا لما هو متاح من تقارير وتقديرات والموقف النفسي للكتل السياسية، فإن كتلة رئيس الوزراء نوري المالكي قد حققت تقدما كبيرا في حصاد المواقع البرلمانية، وبات الطريق مفتوحا أمامه لولاية ثالثة، أو أن يتعطل تشكيل الحكومة الجديدة لفترة طويلة.