وفيق السامرائي
ضابط متقاعد وخبير استراتيجيّ عراقيّ

وماذا بعد سقوط الرمادي؟

لم يعد خافيًا وجود طبقة من تجار السياسة والحروب من أهل الأنبار، تعمل بموجب أجندات شخصية وتآمرية على تفكيك العراق، وقد تمكنت هذه الطبقة من الإثراء غير المشروع بطرق النهب العام، الذي ساد أجواء عراق ما بعد 2003، ولم تعد هذه الطبقة بحاجة لدعم مالي خارجي لا يزال يرد إليهم تحت واجهات مختلفة.

العراق و«داعش».. من يحسد من؟

بعد أكثر من 33 عامًا، دعوني (لطفًا) أن أقر لكم بأن العراق قد مني في عمليات دزفول - الشوش، وعمليات عبور القوات الإيرانية لنهر الكارون، وإجبار القوات العراقية على الانسحاب إلى خط الحدود، بهزيمتين شنيعتين، بينما كانت تقارير الاستخبارات قد أعطت صورة مسبقة (دقيقة للغاية) عن النيات والقوات والخطط الإيرانية. مع ذلك، حقق الإيرانيون نصرًا ساحقًا في هاتين العمليتين الكبيرتين، وقد أعدم صدام عددًا من كبار القادة في حينه. غير أن الجبهة الداخلية بقيت متماسكة، لمجموعة عوامل؛ منها قوة النظام والاستبداد والشعور العام، ولم يتمكن أحد من السياسيين من التصريح بكلمة واحدة لا تأييدًا ولا معارضة.

هل تقود أوهام الزعامة إلى حرب أكثر خطورة في العراق؟

شخص مثلي لا بد أن يشعر بإحباط من المنحى الذي اتخذته عملية التغيير السياسي في العراق، على كل الاتجاهات. حيث تحول العراق إلى دولة مريضة تتنازعها المصالح الدولية والإقليمية والمحلية، والأكثر بؤسا أن يتمادى المفسدون والخصوم والأعداء، وأن يحرم العراق من فرص إعادة بناء القوة ولو مؤقتا. وفي المجال الأمني والسياسي الداخلي، فقد خسر العراق خسارة مدمرة في حرب الخليج الثانية 1991، وهزم هزيمة عسكرية مدمرة، وخرجت 13 محافظة خروجا تاما عن سيطرة الدولة من أصل 18 محافظة.

مشروع تدمير سنة عرب العراق

المشروع البرلماني الأميركي لتسليح البيشمركة والسنة في العراق مشروع لتأسيس «دولة كردستان»، بدعم معنوي وسياسي.. إسرائيلي، بحكم العلاقة التاريخية مع هيمنة قيادة البارزاني على الحركة الكردية قبل أن تنهار باتفاق الجزائر عام 1975 بين شاه إيران وصدام حسين.

هل أنهى الأميركيون سياسة التوافق العراقية؟

في موقف لا سابق له منذ سقوط نظام صدام حسين، قرر البرلمان العراقي اتخاذ قرار حاسم برفض قرار برلماني أميركي بتسليح الكرد والسنة في معزل عن الحكومة العراقية، إذا لم تلتزم شروطا محددة في مجال المصالحة الوطنية، وهو ما فُسّر بأنه توجه أميركي ليس لتطبيق «مشروع بايدن لأقلمة العراق» فحسب، بل لتقسيمه إلى ثلاث دول (شيعية وسنية وكردية). وقد اتخذ القرار العراقي من قبل كتلة التحالف الوطنية الشيعية، التي تتمتع بأغلبية مريحة، ورفضت الكتلتان الكردية والسنية التصويت وغادرت قاعة الاجتماع.

ما دلالات مصرع الدوري في وسط العراق؟

لم يتمتع عزة الدوري نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بثقافة عالية، ولم تكن حالته الصحية جيدة على مدى عقود، فقد كان عليلاً نوعًا ما وضعيف البنية، غير أنه بقي مطيعًا ومخلصًا لصدام ولحزبه، ونسج خيوطًا من العلاقات العشائرية والدينية شمال بغداد عمومًا، وفي أطراف جنوب إقليم كردستان تحديدًا، وأصبح صوفي الهوى من الناحية الظاهرية، ويعطي اهتمامًا للطرق الدينية الخاصة «والدروشة وضرب الحراب وإقامة المناقب النبوية». وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي حاول في أحد الاجتماعات انتقاد انتشار النوادي الليلية في بغداد، فرد عليه صدام بطريقة قاسية بقوله: «ألم تكن أمكم ترقص في المناسبات؟

هل هذا من فعل «الدواعش»؟

يمكن أن نفكر في أن ما يقوم به «الدواعش» على المستوى العالمي يأتي نتيجة نهج لا مركزي في فلسفة قيادة التنظيم، الذي تأسس على مقومات وقواعد تنظيم القاعدة، مع إضافات لأجهزة استخبارات ترعى وتتابع وتوجه بطرق مختلفة. غير أن كل المعطيات تتنافر وفلسفة القبول بأن ما يجري من عمليات قتال واسعة على الساحة السورية والعراقية يدخل تحت الوصفة ذاتها. فكل شيء يدل على أن ما يحدث يتعدى كثيرا قدرات تنظيم موضوع تحت المطرقة لقوات التحالف أو يجابه قدرات دولية، ويخوض حربا مفتوحة لا قيود فيها. الوضع السياسي العراقي لا يزال هشا مضطربا رغم محاولات التعاون والتهدئة ومحاولات السكوت والسكوت المقابل والمصالح المتبادلة.

هل أصاب العبادي الهدف في صلاح الدين؟

ملأوا أجواء العراق بأحاديثهم عن خطط التحرير في العراق، وكلما انكفأ «الدواعش» تخرج وجوه سياسية من مخابئها للحديث عن فلسفة الحرب. وعلى مدار الأيام، كانت أصوات محددة تتحدث عن تحرير الموصل، من دون وجود لمعطيات على الأرض. وبقي وصفنا لأهمية محافظة صلاح الدين ثابتا، رغم كل المعترضين من المناطقيين وممن لم يستطيعوا الخروج من دائرة «التآمر» على وحدة العراق بدفع من أطراف معلومة. وكان هامش الخشية واردا من أن يصدق رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي تفسيرات من يدّعون المعرفة وقراءة تقدير الموقف، وهم في الحقيقة يستندون إلى أوهام استغفال الآخرين.

إعادة فلسفة القيادة في العراق

حرب «داعش» مزقت كل شيء أو فرقته، فالعرب السنة الذين ظن بعضهم أن «الدواعش» ثوار وفاتحو حصون وجدوا أنفسهم في أسوأ حال طوال تاريخ العراق، فأصبحوا بين مرتبكين أو نازحين مهضومين في جزء من بلدهم، يمثلهم سياسيون غالبيتهم العظمى نفعيون وكثير منهم «حرامية» لم تستثن سرقاتهم حتى دفعات المساعدة للنازحين على قلتها، ويتصارع ممثلوهم على المناصب والوزارات ليضيفوا مالاً حرامًا، مع سكوت مطبق عن كل شيء عدا النبرات الطائفية. قدر علينا أن نخوض حروبًا وأن نتابع أخرى، ولم أجد أسوأ تمثيلاً ووصفًا من حال سياسيي سنة عرب العراق، الذين لم يفكر بعضهم حتى في زيارة منطقة قريبة من قواطع عمليات الحرب، كأنها في غياهب غابات أمي

الحشد وحدود الدم.. يا سلام!

مجنون - من كل سياسيي العراق - من يتقمص شخصية صدام حسين. ليس بسبب ما تسبب من دمار، ولا بسبب الحالة المزرية التي قبض عليه فيها فحسب، بل لأنهم أضعف منه كثيرا، وجاءوا في مرحلة لم يعد فيها الشعب قابلا للسكوت عنهم، ولأن فرسانا من السياسيين يراقبون أوضاعهم ويتصدون لهم علنا. قبل بضعة أيام شاهدت مقطعين، أحدهما لرئيس إقليم كردستان مسعود بارزاني أثناء لقائه شيوخ عشائر عربية - على الحكومة المركزية رعايتهم - يقول فيه إن «كل الذين قاتلوا مع داعش سيكون مصيرهم مصير التنظيم»، وهو كلام لا يحتاج إلى مناقشة.