المشروع البرلماني الأميركي لتسليح البيشمركة والسنة في العراق مشروع لتأسيس «دولة كردستان»، بدعم معنوي وسياسي.. إسرائيلي، بحكم العلاقة التاريخية مع هيمنة قيادة البارزاني على الحركة الكردية قبل أن تنهار باتفاق الجزائر عام 1975 بين شاه إيران وصدام حسين. وسواء كانت حصة السنة من الاهتمام مخلصة من نيات التغطية على الهدف الحقيقي أو غير ذلك، فالمشروع - إن مضى قدمًا - سيؤدي إلى سحق وجودهم وتكبدهم خسائر بشرية هائلة تجعلهم فرقًا قبلية متحاربة ونازحين ومشردين وأمراء حرب يقضون الواحد تلو الآخر.
الوضع في الأنبار ليس بذلك السوء الذي يراد تصويره، ولحسن حظ المحافظة أنها تحظى بأهمية استراتيجية بالنسبة لبغداد على عكس محافظة نينوى ثاني كبرى المحافظات والمدن العراقية. فالأنبار ليست خاصرة العراق فحسب، بل خاصرة بغداد وكربلاء وهما خط أحمر لا جدال حوله بالنسبة للأمن الاستراتيجي العراقي، وهما الأرض الحيوية التي إذا ما دخلها العدو تختل المعادلات كلها. لذلك فالعراقيون عندما يدافعون عن الأنبار فإنهم يعززون فلسفة الدفاع عن العراق. وبما أن بغداد تمتلك خيارات العمق المطلوب لتأمين المجال الحيوي وليس الانسياق الأعمى في الصحارى والبوادي، فهي من يمتلك قرار العمل وأفقه. وهذا يعني أن أي طرف أنباري و/ أو بوحي خارجي لا يستطيع جر بغداد إلى متاهات التبعثر في استخدام القوة.
الحشد الشعبي بصفته الشيعية الغالبة، يواجه معارضة في التدخل العسكري الواسع في المحافظة. فما الذي سيخسره الحشد من عرقلة تدخله أو منع تدخله؟ بالتأكيد لن يخسر شيئًا، بل سيعزز تنظيمه وتسليحه ويقلل خسائره ويثبت فشل المجابهة مع «الدواعش» من دونه، وسنرى كيف يتطور إلى قوة ضاربة على المستوى العراقي.
تسليح سنة عرب العراق لن يأخذ مدى خياليًا كما يراد تصويره، فسلاحهم سيبقى خفيفًا ومتوسطًا بقدرات لا تؤمن تفوقًا ساحقًا على «الدواعش»، وبما أن آلافًا من أبناء المحافظة يقاتلون إلى جانب «الدواعش» ويشكلون قوة الانتشار الحقيقي لهم، ومن هؤلاء المغرر بهم مجموعات كبيرة من الصداميين وضباط ركن سابقين يخططون ويقودون ويتجسسون، فإن الحسم العشائري سيبقى قصة خيالية في وهم التصورات القاصرة، والذين يبكون أو يتباكون على السنة إنما يدفعون بهم إلى الجحيم. وأسوأ ما في حظوظ الشباب هو أن يتحولوا إلى وقود بيد الأشرار.
قد يصل سلاح أميركي إلى الحكومة العراقية لتوزيعه على عشائر الأنبار بإشراف السفارة الأميركية، وستقاتل مجموعات من أبناء العشائر بمعزل عن دعم شعبي عراقي على نطاق واسع، وهذا سيؤدي إلى تكبدهم خسائر بشرية كبيرة تفوق أضعاف خسائرهم حتى الآن، وسيكون اختراقهم من قبل «الدواعش» وذيولهم من الصداميين أمرًا واردًا، فيطول أمد الأزمة وتتفاقم الخسائر وتتحول العمليات إلى عداوات دموية تمتد إلى أجل غير محدد. وأذكر لكم القصة التالية:
بعد أن تمكن البعثيون من السيطرة على الحكم عام 1963 اختاروا القائد العسكري السابق عبد السلام محمد عارف - من عشائر الفلوجة - رئيسًا للجمهورية، وفي تلك المرحلة كانت للحزب قوة مسلحة غير نظامية اسمها (الحرس القومي)، تتألف من آلاف البعثيين، وبعد بضعة أشهر انقلب عارف على البعثيين واستولى على الحكم، ولم تسجل فعاليات قتالية واسعة في كل العراق إلا في مدينة الفلوجة، حيث هجم مؤيدو عارف على مقر للحرس القومي في المدينة وقتلوا كل من فيه البالغ عددهم نحو 20 حارسًا قوميًا كلهم من أبناء المدينة! ومنذ 16 شهرًا والمدينة تخضع لسيطرة «الدواعش» سيطرة مطلقة، وكثير ممن ينتمون إلى من قتل أبناء الحرس القومي يقاتلون اليوم مع «الدواعش».
أهل تكريت السنة الآن مشردون بنسبة قد تصل إلى 99 في المائة، ولا مجال لتعبئتهم للقتال، والوضع في الموصل بين تعايش مع «الدواعش» وتشرد ونزوح وإحباط من سياسييهم الفاشلين، ولا مقاومة عملية على الأرض، وأهل الأنبار ينزفون دمًا. ولا أدري إلى من استند المشرعون الأميركيون في اتخاذ قرارات سطحية، فمواضيع خطيرة لا يفترض أن تعتمد دراستها على جهلاء من عشائر مبتلات. وسيدرك أهل الأنبار أن الانسياق وراء العزلة الطائفية ومطالب التسلح خارج النطاق الوطني ستقودهم إلى مصير غاية في التعقيد، ولن يقاتل معهم «نفر واحد» من دعاة الأقلمة من المحافظات الأخرى، ولكم الله أيها الفقراء.
7:52 دقيقه
TT
مشروع تدمير سنة عرب العراق
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة