وفيق السامرائي
ضابط متقاعد وخبير استراتيجيّ عراقيّ
TT

ما دلالات مصرع الدوري في وسط العراق؟

لم يتمتع عزة الدوري نائب الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بثقافة عالية، ولم تكن حالته الصحية جيدة على مدى عقود، فقد كان عليلاً نوعًا ما وضعيف البنية، غير أنه بقي مطيعًا ومخلصًا لصدام ولحزبه، ونسج خيوطًا من العلاقات العشائرية والدينية شمال بغداد عمومًا، وفي أطراف جنوب إقليم كردستان تحديدًا، وأصبح صوفي الهوى من الناحية الظاهرية، ويعطي اهتمامًا للطرق الدينية الخاصة «والدروشة وضرب الحراب وإقامة المناقب النبوية». وفي أواخر ثمانينات القرن الماضي حاول في أحد الاجتماعات انتقاد انتشار النوادي الليلية في بغداد، فرد عليه صدام بطريقة قاسية بقوله: «ألم تكن أمكم ترقص في المناسبات؟ ألم يكن أبوك يرقص؟».
بعد سقوط النظام عام 2003، قيل إنه سافر إلى أكثر من دولة عربية وشوهد في مطار أربيل قبل نحو سنتين، طبقًا لتلك الأقوال. والحقيقة الأقرب إلى الواقع هي أنه كان موجودًا على الأرض العراقية منذ خروج القوات الأميركية قبل نحو أربعة أعوام، استغلالاً لحالة الكفاءة الفنية في مجالات المتابعة الإلكترونية. والمعطيات تدل على أنه كان يتنقل بين جبال حمرين منطقة انتشار مجموعات مسلحة قوية من تنظيمه «جيش الطريقة النقشبندية»، الذي يعتمد بشكل أساسي على أعداد من الضباط السابقين ومنتسبي الأجهزة الخاصة.
وجود ضباط ركن سابقين برتب كبيرة في مدينة أربيل بعلم رئاسة الإقليم وضيافتها، ويعملون ضمن تنظيمات حزب البعث الحالي، جناح عزة، وبدرجات رفيعة، يعطي دلالات خطيرة على أوجه علاقات غير عادية. لذلك، فوجود الدوري في جبال حمرين - جنوب إقليم كردستان - شكل امتدادًا لفريق عمل يقوم بمهمات محددة بطريقة ليست بالضرورة أن تكون جميعها تحت سيطرة وتدقيق ومتابعة وإشراف أمن الإقليم. وفي حالات كثيرة يجيز تصريف مفهوم الامتداد بما يدل على وجود فرص كبيرة لوجود الدوري لفترات غير محددة في أربيل، طبقًا لمصالح مشتركة بين الطرفين، وربما بتدخل ووساطة وتنسيق من طرف آخر غير عراقي.
وطبقًا لمعلومات استقيت من مصدر يحمل صفة أمنية، فإن هناك قناعات ليست قليلة تشير إلى أن عزة الدوري كان على مقربة من مسرح جريمة سبايكر التي أعدم بها «الدواعش» نحو 1700 جندي كانوا في مرحلة التدريب الابتدائي في قاعدة جوية شمال تكريت، وهو الذي أعطى أو شارك بأوامر إعدامهم وهم مجردون من السلاح، وألقيت جثث مئات منهم في نهر دجلة من حافات أحد المواقع الرئاسية.
ويستدل من هذا على أن ما حدث من اضطراب سياسي في العراق كان متفقًا عليه من قبل أطراف معينة، ومن قبل تنظيم داعش وفريق عزة الدوري وتنظيمات وجماعات مسلحة أخرى شاركت إعلاميًا وعملياتيًا بعد سقوط الموصل. وتأكيدًا لهذه الرؤية فقد وجه الدوري رسالة صوتية واضحة بعد نحو أسبوع من سقوط الموصل أشاد فيها بما حدث وأشاد بمن سماهم شباب تنظيم القاعدة. غير أن الوقائع على الأرض سارت بطريقة مختلفة تمامًا، بعد أن أحكم «الدواعش» سيطرتهم على تفصيلات الساحة وإجبار الأطراف الحليفة والصديقة التي عملت معهم على المبايعة أو التزام السكوت. وبالفعل جرى تحويل المحافظات والمدن إلى ولايات للتنظيم، وعدم تكليف أي من العسكريين السابقين بمسؤولية قيادية وإدارية على مستوى المناطق التي وقعت تحت سيطرتهم.
والمثير أن عزة الدوري بقي في مناطق وجوده الميداني السابق دون أن يتعرض لأذى، ولم تتسرب معلومات عن وقوع خلافات حادة. وامتدت الحالة لأكثر من ثمانية أشهر، إلى أن بدأت القوات المشتركة العراقية عملياتها التعرضية في محافظة صلاح الدين وسيطرتها على مناطق شرق دجلة الاستراتيجية الممتدة من شمال سامراء إلى منطقة الفتحة - نحو 110 كلم طولاً و80 كلم عرضًا - ومع تطور عمليات التحري والتفتيش وتمشيط المناطق من قبل القوات المشتركة، بدأ الدوري مرحلة الهروب، فتنقل من منطقة جبال حمرين نحو ناحية العالم شمالاً، قاصدًا الوصول إلى قاعدة أمنية في أربيل أو الموصل، وكان معه ثلاثة انتحاريين، ما يؤكد التصميم المسبق على الموت وليس التسليم. وحدث اشتباك وقتلت القوة التي كانت مؤلفة من تسعة أشخاص بمن فيهم الدوري.
إن ما حدث كان قصة معقدة درست بعناية واستغرقت فترة طويلة لم تقل عن عام كامل، وهذا لب المؤامرة الكبيرة.