وفيق السامرائي
ضابط متقاعد وخبير استراتيجيّ عراقيّ
TT

هل هذا من فعل «الدواعش»؟

يمكن أن نفكر في أن ما يقوم به «الدواعش» على المستوى العالمي يأتي نتيجة نهج لا مركزي في فلسفة قيادة التنظيم، الذي تأسس على مقومات وقواعد تنظيم القاعدة، مع إضافات لأجهزة استخبارات ترعى وتتابع وتوجه بطرق مختلفة. غير أن كل المعطيات تتنافر وفلسفة القبول بأن ما يجري من عمليات قتال واسعة على الساحة السورية والعراقية يدخل تحت الوصفة ذاتها. فكل شيء يدل على أن ما يحدث يتعدى كثيرا قدرات تنظيم موضوع تحت المطرقة لقوات التحالف أو يجابه قدرات دولية، ويخوض حربا مفتوحة لا قيود فيها.
الوضع السياسي العراقي لا يزال هشا مضطربا رغم محاولات التعاون والتهدئة ومحاولات السكوت والسكوت المقابل والمصالح المتبادلة. وبعض قوى التأثير الإقليمية والدولية تتدخل في الشأن العراقي مراوحة بين النيات الحسنة على قلتها، والعبث، والتآمر، ونسبة لا يستهان بها من السياسيين العراقيين (حرامية وسراق ومخربون ومتآمرون)، يمارسون أدوارا تستحق عقابا صارما، لكن الحساب الذي يشفي قلوب الفقراء المسروقة أموالهم لا يزال في حاجة إلى قدرة قادر. وهذا كله ساهم في بقاء «الدواعش» رقما صعبا. وأبقى في حيرة حيال عجز دولي متعمد أو ضعف كفاءة في قراءة الواجهات الخلفية لقدرات «الدواعش» في تصميم وتخطيط وإدارة وإدامة العمليات القتالية الواسعة، ومصادر الإمداد وطرقها، فكل ما قيل عن هذا لا يتعدى الخطوط السطحية المشحونة بعلامات الاستفهام!
كثيرون من السياسيين العراقيين يتمتعون بدرجات متدنية من ثقافة القراءات السياسية، وإلى مستوى الانحطاط الفكري في بعض الحالات، لذلك، يعبثون تحت حصانات كتبت باسم الشعب، والشعب منها براء. وهذا النمط من الأشخاص يتسببون بشكل وآخر في عرقلة تحقيق النصر، وتحويل الحرب مع «الدواعش» إلى حرب استنزاف وهي أخطر أنواع الحروب بعد أن أعاد العراق تماسكه والمحافظة على كيانه. وأقصد هنا بالاستنزاف «استنزاف الدم». وما يدور الآن في العراق يدخل ضمن هذا التفسير تماما، لأن من المستحيل أن يحقق «الدواعش» هدفا استراتيجيا خطيرا في العراق، لأن للعراقيين الآن من يعينهم على كشف المؤامرات وتجنب صدمات كبيرة من المفاجآت.
ينتصر العراقيون في تكريت، فتشن حرب نفسية رهيبة تخل في استخدام القوات المشتركة تحت ذرائع معلومة، ويردد سياسيون عبارات الحرب النفسية بتعمد شديد ومفضوح ولا قانون يحاسبهم، كأن العراقيين كرهوا القوانين بسبب قسوة قوانين صدام السياسية والأمنية. ويظهر من يطالب بتحرير ثاني كبرى المدن العراقية من دون أي تحضيرات عملية على الأرض، ويبدأ «الدواعش» بشن هجمات ليس من المنطق أن نتغاضاها، وينكفئ استخدام قوات عراقية ضاربة لأسباب ترتبط بنظرية المؤامرة المعدة في الواجهات السرية لتنظيم داعش.
ربما من الصعب أن أتذكر حصول نقص في عتاد كتيبة قتالية في كل الحروب التي خاضها العراق قديما، وقد لا يكون هذا مستغربا، خصوصا أن العراق كان له مصانع عتاد خفيف ومتوسط وأكداس هائلة من العتاد، ولديه منظومات تعويض بنيت خلال عشرات السنين، ومن الصعب أن يراقب أحد من طائرة هليكوبتر ولا يشاهد مستودعات ومخازن عتاد ضخمة على مدى النظر بفاصلات قصيرة. لكن «الدواعش»، لا يملكون مثل هذه القدرات والتسهيلات، فمن الذي يقدم لهم مواد تموين قتال في حرب ساخنة لم تتوقف دقيقة واحدة؟
والأخطر هو تخطيط العمليات وإدارتها، ومن غير المنطق والمعقول تصور ما يحدث على أنه من بنات أفكار عناصر إرهابية لا تمتلك مؤهلات من العلم العسكري، وقد أثبت المكان الذي قتل فيه عزة الدوري والمعطيات المتصلة بذلك، أن ضباطا كبارا من الصداميين الذين انتموا إلى «جيش الطريقة النقشبندية» التابع للدوري، هم من يشارك في تخطيط الحرب مباشرة. ولا شك في وقوف جهات أخرى غير عراقية من أجهزة استخبارات تقوم بدور لا يقل خطورة. وهذا يتطلب أن يولي العراقيون اهتماما كبيرا لإعطاء أهمية قصوى لكفاءات العمل العسكري والنفسي والأمني وفي مجال الاستخبارات، لمجابهة إدارة فنية لعدو قاس. وعلى الرغم من ضغوط الحرب، نرى حصول تقدم عراقي في هذا المجال الحيوي، مع بقاء حاجة ملحة لمزيد من معدات القتال الرئيسية، وليس معقولا عدم حصول العراق على طائرة قتالية واحدة من صنع أميركي حتى الآن، بعد مرور أكثر من 12 عاما على سقوط النظام!