وليد أبي مرشد
صحافيّ وكاتب وخبير اقتصادي لبنانيّ
TT

«أمركة» الحرب السورية

لم يسبق لرئيس أميركي أن خصه الإعلام بنعوت متعددة، من أحسنها إلى أسوئها، مثل الرئيس الحالي دونالد ترمب. ولكن بعد قصفه قاعدة الشعيرات السورية، يبدو أن أصدق نعوته هو «الجرأة».
أن يستهدف ترمب مطاراً عسكرياً سورياً، تحميه مظلة المنظومة الدفاعية الروسية... قرار لا يخلو من الجرأة - المحسوبة كما يظهر.
وأن يأتي رده على استعمال النظام السوري السلاح الكيماوي في خان شيخون، بعد ساعات معدودة من وقوع الحدث... قرار آخر لا يخلو من الجرأة، سواء اتخذ البنتاغون أو مستشارو ترمب العسكريون، أو كلاهما، هذا القرار؛ تظل موافقة الرئيس الأميركي الشخصية عليه شرطاً لازماً لتنفيذه.
من هنا، يصح اعتبار قرار ترمب التدخل عسكرياً في سوريا نقطة تحول في مسار الحرب السورية، بقدر ما كان إحجام سلفه، باراك أوباما، عن هذا التدخل، عام 2013، نقطة تحول أيضاً، ولكن بالاتجاه المعاكس.
في نظام رئاسي يمنح رئيس الدولة صلاحيات واسعة - بما فيها صلاحية شن حرب خارجية لمدة تسعة أشهر قبل الرجوع إلى الكونغرس - يصعب تجاهل «شخصية» رئيس الدولة كعامل مرجح في آلية صناعة القرار. وإذا جاز الاستطراد التحليلي في هذا السياق، يجوز الزعم بأن الانتفاضة السورية كادت تكون - لغاية قصف مطار الشعيرات - ضحية «شخصية» أوباما «المتسامحة».
بأي مقياس سياسي واقعي، لا يمكن فصل قرار ترمب التدخل في سوريا عن رغبته في إبلاغ الرئيس بوتين بأن تفردّ روسيا وإيران بالتسوية السياسية للنزاع السوري لم يعد وارداً، وربما ممكناً أيضاً. وغير خافٍ أن تحدي بوتين عسكرياً في سوريا يؤمن لترمب مكسباً جانبياً آخر داخل الولايات المتحدة: إبعاد تهمة «التواطؤ» معه في حملة الانتخابات الرئاسية، العام الماضي.
ما يجري اليوم على الساحة السورية هو بداية اختبار نفوذ أميركي – روسي، يخاض بالأصالة والوكالة معاً، وذلك في مرحلة فقدت فيها الحرب الأهلية وجهها الآيديولوجي، لتصبح حرباً بلا قضية، حرباً جيّرها الغيورون على مصالحهم الشرق أوسطية إلى مجرد مواجهة مع «الإرهاب الدولي»، لا علاقة لها بالشأن السوري الداخلي.
خلال ست سنوات دامية، انتقلت مظاهرات الحرية في سوريا من قضية محض داخلية، اختزلها الشارع السوري عام 2011 بشعار «الشعب يريد إسقاط النظام»، إلى حروب مصالح دولية وإقليمية مفتوحة على كل الجهات وكل الاحتمالات، تحت عنوان واحد هو محاربة «الإرهاب الدولي».
لغاية القصف الأميركي لقاعدة الشعيرات، كان الجامع المشترك بين جبهات القتال، المتعددة الآيديولوجيات والأهداف، هو القضاء على «الإرهاب الدولي»، رغم أن ما حققته فعلياً كان القضاء على القضية السورية الوطنية. وعليه، سقطت - أو أسقطت - قضية الحريات الديمقراطية من حسابات القوى المتقاتلة، لتتخذ الحرب الأهلية وجهاً دولياً أحادياً لم يقصّر «الداعشيون» بتكريسه، وكأن بين الإرهابيين وأعدائهم الأوتوقراطيين تحالفاً غير معلن للقضاء على الدولة الديمقراطية العصرية.
على هذا الصعيد، تكمن أهمية الرسالة السياسية للقصف الأميركي لمطار الشعيرات الأبلغ بكثير من رسالته العسكرية؛ فبقدر ما شكل القصف خروجاً أميركياً على الوجه الأحادي للحرب السورية، أعاد التذكير بالوجه المنسي للنزاع. واللافت على هذا الصعيد أن توقيت القصف الأميركي - سواء كان مقصوداً أو غير مقصود - قلب توقعات محور موسكو - طهران - دمشق بنصر عسكري وشيك.
في ضوء المخاطر التي تحملتها بقصفها قاعدة الشعيرات، لا يبدو أن أميركا تمر في سوريا مرور الكرام، بل تعود إليها «شريكاً مضارباً» لروسيا ولكل من يستغل الحرب على الإرهاب عذراً لتجاهل الوجه السياسي للنزاع السوري. ودخولها الساحة السورية من بابها العسكري من شأنه إعادة ترتيب أولويات النزاع، وإعادة التوازن إلى أجندة التسوية السياسية قي مؤتمرات جنيف، بحيث لا تغيب عنها الطروحات المدعومة من الولايات المتحدة، مثل المرحلة الانتقالية، ومصير الرئيس بشار الأسد، و«مناطق الاستقرار الآمنة» في كل من سوريا والعراق.
إلا أن المؤشر العملي على جدية التوجه الأميركي يبقى فيما ستظهره إدارة ترمب من اهتمام بالمعارضة السورية المعتدلة، وتحديداً باستكمال تدريب الجيش السوري الحر، وتطوير نوعية سلاحه.