الشرق الأوسط
TT

كبرى ديمقراطيات العالم.. تقترع

مع دخول «ماراثون» الانتخابات العامة في الهند، المستمر لعدة أسابيع، مرحلته الأخيرة، تشير كل الدلائل إلى أن «كبرى ديمقراطيات العالم» على وشك أن تشهد تغيرا حاسما في قمة هرم السلطة؛ فتبعا للسواد الأعظم من المعطيات والتوقعات، سيصار في 16 مايو (أيار) الحالي إلى دعوة حزب «بهاراتيا جاناتا» (حزب الشعب الهندي) القومي الهندوسي المحافظ لتولّي الحكم، عبر حكومة يرأسها زعيمه نارندرا مودي.
هذا الاحتمال القوي يولّد في نفوس الراصدين والمتابعين مزيجا من الآمال والمخاوف.
على صعيد الآمال، يأمل المتفائلون أن يعمل مودي على تأكيد حنكته الإدارية وترجمة نجاحاته الملموسة كرئيس وزراء ولاية غُجَرات على المستوى الوطني، مما يعد بإنعاش الاقتصاد، والتصدي بحزم للفساد، الذي يبدو كأنه خرج عن حدود السيطرة.
وفي المقابل، فيما يخص المخاوف، فإن في غموض شخصية متعددة الأوجه، كشخصية مودي، ما قد يثبّت هواجس البعض من نزوعه إلى الفئوية والتحامل الديني والعرقي.
في مطلق الأحوال، مما لا شك فيه أن الهند اليوم بحاجة ماسة إلى أمرين اثنين؛ إصلاح اقتصادي وتدابير ناجعة لكبح الفساد. ولكن، في الاتجاه المعاكس، آخر ما سيفيد الهند اليوم الانزلاق إلى مهاوي التوتر الفئوي. وفي هذا السياق لا بد من القول إن النبرة أو المخاوف الفئوية ألقت بظلال ثقيلة على الحملة الانتخابية، وإن تاريخ مودي في غُجَرات للأسف سهّل مهمة منتقديه والمتخوفين من سياساته، وذلك لمواقفه الملتبسة من نوبات العنف الديني الدامية التي خلفت عام 2002 نحو ألف قتيل من المسلمين والهندوس.
عودة إلى الانتخابات، من الواضح من عملية حسابية بسيطة أن حزب المؤتمر الهندي لن يفلح بالحصول على غالبية برلمانية من دون دعم واضح من الناخبين المسلمين الذين، وإن كانوا لا يشكلون إلا نحو 15 في المائة من مجموع الناخبين، يستطيعون حسم النتيجة في ولايات كبيرة محورية إلى الشمال من هضبة الدّكَن في جنوب البلاد.
ولقد استخدم حزب المؤتمر خلال حملته الانتخابية، بالفعل، سلاح التخويف من مودي، لضمان تصويت المسلمين لمصلحة الأمر الواقع. وكانت المزاعم الأبرز حتى الآن أن فوز مودي سيعني فقدان المسلمين النفوذ في العاصمة الاتحادية نيودلهي (أي على المستوى الوطني) وبالتالي، سيتعرضون للتهميش.
غير أن هذه لعبة تنطوي على مجازفة خطرة. فواقع الحال أنه إذا كان المسلمون سيقبلون بالتصويت من منطلقات دينية وفئوية؛ فمن شأن هذا التعجيلُ بخلق حالة من «الفصل العنصري - الديني»، ومن ثم إلحاق ضرر بالغ بالديمقراطية العلمانية للهند. وراهنا، ثمة قوميون هندوس متشددون من منظمة «راشتريا سوأمسيفاك سينغ» (منظمة المتطوعين القوميين) يصفون المسلمين الهنود لا كمسلمين هنود، بل كـ«مسلمين في الهند»، في مسعى يتعمد الزعم بأن الهندوس وحدهم هم الهنود الحقيقيون، ثم إن الواقع المقلق لـ«المنظمة» المذكورة يظهر ولو بصورة عكسية في مواقف حزب «ساماجوادي» الذي يصف نفسه بـ«الاشتراكي»، إذ يزعم زعيمه أبو عاصم عزمي أن المسلمين الهنود لا يقترعون لحزبه، لأنهم لا يعدون مرشحيه المسلمين «مسلمين حقيقيين».
منظمة «راشتريا سوأمسيفاك سينغ» كانت قد أسّست خلال عقد العشرينات من القرن الماضي، وتأثرت بنشوء الحركة الفاشية في إيطاليا، أما «ساماجوادي» فيعتمد شعارات التناقض الطبقي، ويجنح إلى الماركسية اللينينية على حساب الإسلام والديمقراطية الاجتماعية.
إن ما يجب التأكيد عليه أن على المسلمين الهنود، كما يتوجب على كل الهنود، التصويت على أسس سياسية، لا فئوية، يطرحها المرشحون والأحزاب والتنظيمات المتنافسة من مختلف الأطياف، وإدراك الحقيقة القائلة إن الهند لا يمكن أن تتقدم وتتطور إلا على أساس السلام ومبدأ الوحدة في التنوع.