جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

سياحة «شم ولا تدوق»

جاذبية السفر واكتشاف ثنايا الكرة الأرضية، حلم يراود الجميع، لا سيما الصغار وتحديدا الصغيرات، فإذا سألت أي فتاة يانعة عن المهنة التي تحلم بها عندما تكبر، فسيكون الجواب «مضيفة طيران»، وهذا الجواب فيه نوع من المنطق، لأن مواصفات المهنة، إذا نظرت إليها من الخارج تبدو جذابة، فهي ترتكز على السفر والتنقل من بلد الى آخر، فالصغيرات يعتبرن بأن هذه المهنة هي فرصة لاكتشاف بلدان العالم ومدنها، والحصول على مبلغ مادي ايضا.
مما لا شك فيه هو أن الضيافة على متن الطائرة مغرية، فيكفي أن تشاهد إعلان خطوط «فيرجن» للطيران الحائز أفضل إعلان في بريطانيا، لكي تنجذب للمهمة، وتقدم طلبا للعمل في أقرب وقت ممكن، فتيات يافعات، جميلات، أنيقات في زي موحد أحمر اللون، وطيارون طويلو القامة.. وقبعة جميلة (ولو أن القبعة ليست من ضمن زي الطيارين في فيرجن).. ولكن في الحقيقة إذا تمعّنت في هذه المهنة فسوف تذكرك بالقول السائر «شم ولا تدوق»، وبمعنى آخر، تشم رائحة الطعام الزكية ولا تتذوقه، وما جعلني أكتب عن هذا الموضوع هو قراءتي أخيرا مقالة بمعنوان «حياتي على متن الطائرة» بقلم إحدى مضيفات خطوط «إيزي جيت» البريطانية الاقتصادية، فإلى جانب الأوقات المضنية التي تتحكم في حياة المضيفة، لفتني عدد ساعات الطيران التي تقوم بها، إذ تصل الى ست رحلات في اليوم، ولكن المحزن هو أنها تسافر في اليوم إلى ست وجهات مختلفة، ولكنها لا ترى منها الا مدرج المطار، والسبب هو أن مضيفات الطيران العاملات في الطيران الاقتصادي، لا يقضين ليلة كاملة في أي مدينة يزرنها، إلا مرة واحدة كل عدة أشهر.
وتقول المضيفة في مقالها أيضا إنها تقابل ما بين خمسمائة وستمائة مسافر في الأسبوع، وتسافر على متن ما بين ست عشرة وثماني عشرة مدينة اسبوعيا، وشددت على القول:«ما يجهله البعض، هو أننا لا نترك الطائرة عند وصولنا الى وجهتنا»، وكم شعرت بحزن تلك كلمات التي تحسها تلك الشابة، كيف لا؟ فهي على حق، تتحمل طلبات مئات المسافرين، وترى مطارات عالمية عديدة، الا أنها لا ترى المدينة، والمحزن أيضا، هو أنه في أغلب الوقت تقلع الطائرات من أحد مطارات انجلترا في أحوال جوية تعيسة، لتصل بعدها الى وجهة واقعة في أحضان البحر الأبيض المتوسط، حيث تسطع الشمس، وتتسلل أشعتها الى الطائرة عبر النوافذ الصغيرة، فكيف سيكون شعور المضيفة؟ إنها فعلا سياحة «شم ولا تدوق».
هنا نتكلم عن مضيفات الطيران الرخيص، ولكن هل يختلف الأمر عن مضيفات الطيران العالمي الراقي؟ جوابي هو «لا»، لأن ليلة واحدة أو يوما واحدا، ليس بكاف لاكتشاف سحر المدن وجمالها.
وللأسف هذا النوع من السياحة لا يقتصر فقط على مضيفي ومضيفات الطيران، إنما أيضا على السياح العاديين الذين يذهبون إلى أقاصي العالم جاهلين ما يجب عليهم فعله أو رؤيته، تماما كما لو أنك ذهبت إلى روما ولم تر «الفاتيكان».