الشرق الأوسط
TT

جهاديو أوروبا

مع دخول الأزمة السورية عامها الرابع، يتزايد قلق الحكومات الأوروبية من الأعداد المتزايدة لمواطنيها المتجهين للقتال في سوريا. فقد كشفت أجهزة الاستخبارات الهولندية الأسبوع الماضي عن أن عدد الجهاديين الذين غادروا هولندا إلى سوريا العام الماضي فاق المائة مقاتل، بينما قدرت أجهزة الأمن البريطانية أن ما يصل إلى نحو 600 بريطاني يشاركون في القتال الدائر في سوريا مع الجماعات الجهادية. وجاء مقتل الشاب البريطاني من أصل ليبي عبد الله الدغيس في سوريا الأسبوع الماضي، جرسَ إنذار لأجهزة الأمن البريطانية التي تتخوف من عودة جهاديين يحملون أفكارًا متطرفة وخبرات قتالية من ساحات المعارك السورية. وكشف أبو بكر الدغيس، والد الشاب «المجاهد» لـ«الشرق الأوسط»، عن أن لديه نجلين آخرين يقاتلان قوات نظام الرئيس السوري بشار الأسد منذ أشهر. ومنذ هجمات سبتمبر (أيلول) 2001 في نيويورك وواشنطن، ازدادت خشية الدول الأوروبية من سفر مواطنيها إلى معسكرات لتدريب المتشددين في الخارج، ليشكلوا بعد ذلك خطرا أمنيا محتملا في الداخل لدى عودتهم. وحذّرت وزيرة الداخلية البريطانية، تريزا ماي أخيرا من «التهديد غير المسبوق» لبلادها، الناتج عن الصراع الدائر في سوريا، وخاصة أن دعاة التطرف والقتل باتوا يعتمدون على مواقع التواصل الاجتماعي لتجنيد المئات من المقاتلين في صفوفهم.
وسيكون هذا محور نقاش مسؤولين من دول عربية وأوروبية والولايات المتحدة في مؤتمر حول مواجهة «تهديد» المقاتلين الأجانب في سوريا الخميس المقبل. ومع أهمية هذه القضية، لا يمكن اختصار الأزمة السورية بسياسات «مكافحة الإرهاب». وبعد الفشل في الخروج بحل سياسي أو عسكري لإنهاء الصراع الطاحن في سوريا، باتت سياسات «مكافحة الإرهاب» العامل الأساسي لوضع السياسات الغربية إزاء سوريا. ويشدد المسؤولون الغربيون على أن حماية بلدانهم تشكل المهمة الأولى لهم، لذا عليهم التعامل بحزم مع هذه الظاهرة. إلا أنه من المقلق، والخطر، اعتبار معالجة الأزمة السورية ممكنة من خلال «احتواء» القتال فيها. وإذا كان الدافع الإنساني والأخلاقي لا يكفي للتفكير في استراتيجية شاملة لحل الأزمة السورية التي حصدت أرواح أكثر من 150 ألف سوري، وهجرت الملايين منهم، فالدافع الأمني والاستراتيجي يتطلب معالجة لبّ الأزمة السورية، بدلا من الاعتماد على إجراءات قصيرة المدى تسعى للتخفيف من عواقب لا يمكن تصورها على المدى البعيد. وما دام الأسد مستمرا في السلطة، والأطراف المقاتلة له متشعبة، ستولد الحرب في سوريا متطرفين إلى جانب أضعاف أعدادهم من الضحايا الأبرياء.