د. حسن محمد صندقجي
طبيب سعودي واستشاري قلب للكبار بمركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
TT

تغيير الطبيب وتأثيره على صحة المريض

حينما يذهب أحدنا بسيارته إلى ورشة الميكانيكي لإصلاح أعطال في المحرك أو المكيف أو تلف في نظامها الكهربائي، فإن بإمكانه وبسهولة تغيير الميكانيكي والذهاب إلى ورشة أخرى طلبًا لإصلاح نفس الأعطال. والسؤال: هل تتم الأمور كذلك عند رغبة المريض تغيير الطبيب الذي يُعالجه؟.
الإجابة تختلف حين طرح هذا السؤال على طبيب أو مريض أو شخص لا علاقة له بهما ولكن له خبرة سابقة حول هذا الأمر. والإجابة تختلف حين طرح سؤال توضيحي حول: متى وفي أي مرحلة علاجية يطلب المريض تغيير الطبيب، والإجابة تختلف عند محاولة معرفة المريض للكيفية والآلية التي تتم من خلالها عملية تغيير الطبيب حال المعالجة في المستشفى نفسه أو حال الرغبة في الانتقال لتلقي المعالجة في منشأة طبية أخرى. والإجابة تختلف عند محاولة الحصول على إجابة من المريض حول: لماذا يُريد تغيير الطبيب والأسباب المحددة لذلك. وللاختلافات هذه وغيرها، يبقى موضوع «تغيير المريض للطبيب» أحد المواضيع الطبية المتشعبة وأحد المواضيع التي يتكرر لدى كثير من المرضى التفكير فيها، وفي الوقت نفسه هو أحد المواضيع التي تستحق الدراسة والاهتمام والبحث في الأسباب بالعموم وأيضًا عند حصول كل حالة يطلب فيها المريض تغيير الطبيب المعالج.
وبداية، قد لا تكون ثمة مشكلة في أي طرف، لا المريض ولا المستشفى ولا الطبيب، بل ربما لأنها تطورات الحالة المرضية للمريض، أو تغيير في ظروف المريض أو ظروف الطبيب أو إمكانيات المستشفى. وبالمقابل قد تكون ثمة إشكالية إما لدى الطبيب أو المريض تتطلب المعالجة.
وخلال السنوات الماضية صدرت مئات الدراسات والمقالات الطبية التي بحثت في جوانب شتى من هذا الموضوع، وأحدها تم نشره في عدد الأول من فبراير (شباط) للمجلة الطبية البريطانية BMJ، حول جدوى الحرص على المتابعة لدى طبيب واحد. وأفاد الباحثون من مؤسسة الصحة بلندن أن الاستمرار في رؤية الطبيب نفسه لفترة طويلة يُمكن أن يكون أحد العوامل المفيدة في إبقاء المرضى الكبار في السن بعيدًا عن المستشفى وتقليل احتمالات الإصابة بانتكاسات صحية تتطلب دخولهم إليها. وتوصل الباحثون إلى هذه النتيجة بعد تحليلهم لمدة سنتين البيانات المتعلقة بنحو 230 ألف مريض في بريطانيا، ممنْ تتراوح أعمارهم ما بين 62 و82 سنة. ونظر الباحثون على وجه الخصوص في درجة التصاق المريض بالمتابعة لدى طبيب واحد من أطباء الأسرة والمجتمع، وتأثير مدى الالتصاق ذلك على احتمالات الاحتياج إلى دخول المستشفى لتلقي المعالجة جراء الإصابة بانتكاسات صحية. وأضاف الباحثون أن هذه النوعية من المتابعة الطبية تصنع نوعًا وثيقًا من العلاقة بين المريض وطبيبه.
وكان الدكتور دومنيك كارون، طبيب علم الأعصاب النفسي، قد عرض في إحدى مقالاته الطبية عام 2011، تحليلاً موضوعيًا، من واقع خبرته العملية في المجال الطبي، لعشرة من الأسباب التي قد تدفع إلى تغيير المريض لطبيبه. وأفاد بأن السبب الأول هو عدم نجاح المعالجة في زوال أو تخفيف وقع المشكلة الصحية لدى المريض، بغض النظر عن سبب ذلك. ومن الأسباب أن لا يُقدم الطبيب على إجراء بعض من الفحوصات التي قد تُؤدي نتائجها إلى فهمٍ أفضل للحالة المرضية وتحديدٍ أدق للوسائل العلاجية اللازمة، وعدم إجراء هذه الفحوصات له أسباب متعددة. كما عرض سببًا آخر وهو ما قد يحصل في بعض أنظمة تقديم الرعاية الطبية، وهو عدم رؤية الطبيب في كل مراجعة بالعيادة بل قد يُتابع حالة المريض آنذاك مساعد الطبيب أو ممرض. وعرض من الأسباب أسبابًا تتعلق بأسلوب الطبيب في الاعتداد بنفسه أو عدم انفتاحه لتلقي كل الأسئلة التي يطرحها المريض بصدر رحب والإجابة عليها من أجل كسب ثقة المريض وبعث الراحة النفسية لديه. والواقع أن هذا الجانب يصنع نوعًا من الإحباط لدى المريض ويُقلل من فرص مشاركته في اتباع إرشادات الطبيب ونصائحه العلاجية. وذكر أيضًا جانب عجلة الطبيب وعدم إعطائه الوقت الكافي للمريض كي يُوضح ما يشعر به أو يُخبر الطبيب بأي آثار جانبية قد عانى منها خلال تلقي المعالجة.
وشدد الدكتور كارون على ضرورة تفهم الطبيب لهواجس المريض وحقه في معرفة الجوانب المتعلقة بحالته المرضية. كما ذكر من الأسباب أسبابًا قد لا يتوقعها البعض لكنها قد تحصل، مثل أن الطبيب يُقرر خطة المعالجة ومراحلها قبل قيامه بتقييم حالة المريض، أو أن الطبيب لا يستمع بالفعل للمريض، أو أن الطبيب يتحدث عن نفسه أكثر مما يُنصت للمريض، أو أن الطبيب يتخذ قرارات في المعالجة تتسبب بالضرر على المريض رغم تنبيه المريض لطبيبه احتمالات حصول ذلك.
وبمقابل هذه الأسباب، هناك أسباب واقعية تتطلب تغير المريض لطبيبه المعالج، مثل الانتقال من مدينة إلى أخرى، أو أن شركة التأمين الصحي لا تتعاقد للمتابعة مع طبيب في مستشفى معين، أو أن الطبيب انتقل من مكان لأخر أو أقفل عيادته، أو المريض بحاجة إلى تلقي رأي طبي أخر وهو ما يحرص الأطباء عليه لتوفير أفضل فرص علاجية للمريض، أو أن الحالة المرضية تتطلب المتابعة لدى طبيب آخر أكثر تخصصًا في تلك المشكلة المرضية، وغير ذلك من الأسباب المنطقية.
ومع ضرورة إدراك المريض أن الأهمية الأولى هي لصحته ولا مجال للمجاملة في هذا الأمر، فإن تقديم الطبيب لخدمته للمريض وفق معايير عالية الجودة، وتفهم المريض لأبجديات التعامل مع مرضه الذي قد يصعب علاجه أو تتأخر مراحل الشفاء منه، هما الأساس في بناء علاقة مثمرة بين المريض وطبيبه، وخصوصًا في متابعة الأمراض المزمنة، كمرض السكري وارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب وأمراض الرئة والكلى والكبد، التي تتطلب متابعة طويلة الأمد وتتطلب الصبر على متطلبات المعالجة ومتطلبات ظهور مضاعفات وتداعيات الأمراض تلك.
* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض
[email protected]