الشرق الأوسط
TT

الأسد لا يريد حلا

لا جدال في ذلك.. الرئيس السوري بشار الأسد لا يريد حلا للأزمة المستمرة في بلاده منذ أكثر من سنتين من دون أفق لحل ينقذ السوريين من الموت اليومي، وينقذ بلادهم من الدمار المتمادي.
يشعر الأسد اليوم بفيض من القوة تأتيه من الدعم الذي يحظى به من أصدقائه الحقيقيين؛ الروس، وإيران وأدواتها في المنطقة، ومن التردد الدولي غير المفهوم في دعم المعارضة السورية، فلماذا يتنازل الأسد؟ ولمن؟
من يتابع تاريخ النظام السوري في التعامل مع الأزمات، سيجد أنه يسعى بشكل دائم إلى حماية رأسه في الأزمات الكبرى، فيتراجع تكتيكيا لينقض على خصومه عندما تحين اللحظة الملائمة، وعندها يكون بلا رحمة. لا يقدم النظام السوري أي تنازلات إلا تحت الضغط، والخوف. وعندما يفعل، يحاول تفريغها من مضمونها ما أمكن. أخرج الأسد الأب من لبنان عام 1982 نتيجة الغزو الإسرائيلي، لكنه عاد إليه بصفقة مع الأميركيين بعد مشاركته في حرب الخليج الثانية إلى جانب الحلفاء لتحرير الكويت بقوة رمزية لم تطلق رصاصة واحدة في الحرب، لكنها خطوة كانت كافية لإطلاق يده في لبنان لـ15 سنة إضافية. بعد اغتيال الرئيس الأسبق للحكومة اللبنانية رفيق الحريري في عام 2005، عرف الأسد أنه المطلوب رقم «2» بعد العراق، فانسحب من لبنان بسرعة قياسية تجاوزت حتى التواريخ التي اتفق عليها مع الأميركيين. وعندما أتت البوارج الأميركية إلى المتوسط أخيرا، قدم الأسد السلاح الكيماوي، فدخل في المعاهدة، ثم دمر مخزونه في فترة قياسية أدهشت المنظمة الدولية.
لا يتراجع الأسد عندما يشعر أنه قوي، فلماذا سيقدم التنازلات؟ يبدو واضحا أن النظام لا يريد المشاركة في مؤتمر «جنيف 2»، ولا يريد للمؤتمر أن ينعقد أصلا، على الرغم من أن انعقاده الآن ليس في مصلحة المعارضة السورية. لكن الأسد لن يقول «لا» لحلفائه الروس ولا للأميركيين، حيث يحاول أن يستميلهم إلى جانبه في حربه ضد «الإرهاب». الأسد يعتمد على رفض المعارضة المشاركة ليقول للعالم إنه هو من يريد الحل، لكنه يسعى لتفريغ الحل من مضمونه عندما يبدأ بوضع الشروط، فهو أولا يريد أن يترشح مجددا للرئاسة، وفي هذا نسف لأي بصيص أمل في الحل. وثانيا يشترط «وقف دعم الإرهابيين»، أي المعارضة السورية، لإضعافها والاستفراد بها في الميدان. وثالثا يريد أن يفخخ وفد المعارضة بالأكراد المتحالفين معه، وبمن يسمون معارضة الداخل الذين يدورون في الفلك الروسي.
أما طريقة تعامله مع ملف نائب رئيس وزرائه قدري جميل، فتظهر بوضوح أن الأسد ليس جديا على الإطلاق. لقد أقيل جميل من دون أن توجه له أي ملاحظات أو تفسيرات، بعد أن التقى مسؤولين أميركيين وتواصل مع آخرين، وكأنما يقول للأميركيين إن الوقت لم يحن بعد للقاء المباشر.. أو لعمل مفيد.