الشرق الأوسط
TT

أفغانستان.. أمل كبير في المستقبل

قلة من دول العالم عانت ما عانته أفغانستان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، بل يصحّ القول إن هذه البلاد التي تتطلع اليوم بتفاؤل إلى أول عملية نقل السلطة في تاريخها عبر صناديق الاقتراع، عاشت أكثر من ثلاثة عقود متصلة من الحروب.
بالأمس شرعت أفغانستان في انتخاب رئيس جديد عبر انتخابات حرة ونزيهة. وجرى الاقتراع فيما يتوقع أن يكون دورة أولى بسلاسة نسبية مرفوقة بالأمان، على الرغم من تسجيل بعض الخروقات وتقديم شكاوى حيالها، وهو ما يشجع على إطلاق حياة سياسية جديدة تغلب فيها مصلحة الدولة والوطن على فوضى السلاح، وتنافر المكونات الإثنية والمذهبية في البلاد.
من ناحية ثانية، يمكن القول إن الرئيس حميد كرزاي الذي يغادر المنصب بعد ما شغله أكثر من 12 سنة، أشرف على مرحلة انتقالية مهمة في حياة البلاد. ولقد كان واضحا من مناظرات المرشحين الرئاسيين الثلاثة الكبار الذين سيخلف أحدهم الرئيس المودّع، وهم عبد الله عبد الله، زعيم المعارضة، وأشرف غني أحمد زي، الخبير الاقتصادي الدولي، وزلماي رسول، المقرب من كرزاي، أن الأمن والاستقرار مطلبان أساسيان لا خلاف عليهما. كذلك فإن المرشحين الثلاثة الذين سبق لكل منهم دخول الوزارات المتعاقبة، مجمعون على إعادة الهيبة للدولة التي مزقتها الحرب، وأيضا في لفتة واقعية لا تخلو من حسن النية، ومستعدون لإعطاء فرصة أخرى لحركة طالبان، والسماح لها بالمشاركة في الحكومة.. ولكن شريطة التخلي عن العنف، واختيار قادتها الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ثم إن المرشحين الثلاثة حريصون على تعزيز علاقات أفغانستان مع العالم العربي، مع الإشارة إلى أن أحدهم حصل على شهادته الجامعية الأولى في إحدى الدول العربية، وزوجته منها.
وفي مطلق الأحوال، فإن المرشحين الثلاثة لا تنقصهم الحكمة والدراية، ويفهمون المناخ العام المحيط بأفغانستان، ويقدّرون مدى أهمية معادلة الأمن في الداخل بعد انسحاب القوات الأجنبية، وعلاقات التعاون الوثيقة مع المجتمع الدولي.
بناء عليه، تأتي هذه الانتخابات الرئاسية خطوة مشجعة وواعدة في تاريخ أفغانستان، أكدها بالواقع الملموس الإقبال الكبير على الاقتراع؛ إذ لأول مرة سجلت مشاركة سبعة ملايين أفغاني في العملية الانتخابية مع أرقام قياسية في مشاركة النساء، وكان وراء هذه الظاهرة الاطمئنان إلى نجاعة الإجراءات الأمنية، والثقة بنزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها، مقارنة بانتخابات عامي 2004 و2009، وأخيرا وليس آخرا، الإصرار على الخروج من النفق.
اليوم، وسط العد التنازلي لإنجاز الانتقال السلمي، ثمة اقتناع، بل ثقة، في أفغانستان بأن المجتمع الدولي لن يولي ظهره لهم عقب انتهاء مهمة قوة المساعدة الأمنية الدولية (إيساف)، وانسحاب القوات الغربية بنهاية العام الحالي؛ ذلك أن هناك مصلحة للجميع في السير قدما في مسيرة ترسيخ الأمن وتنفيذ الإصلاحات التي كانت تعهدت بها حكومة كرزاي، وكذلك أكد المرشحون الرئاسيون الالتزام بها في برامجهم الانتخابية، كمكافحة الفساد، والعمل على إعادة الإعمار، وتعزيز قطاع التعليم، وخلق مستقبل اقتصادي واجتماعي أفضل للمواطنين.
أفغانستان تتطلع إلى الأمام، إلى المستقبل، وبكثير من الأمل.