ليونيد بيرشيدسكي
TT

الاتفاق الأميركي الروسي وعنصر الثقة

الأمر يختلف هذه المرة، أو هكذا نظن بحسب ما صوره لنا وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، فالاتفاق الروسي الأميركي الجديد الذي يهدف إلى وقف الحرب الدائرة في سوريا بالفعل يبدو وكأنه يسير في اتجاه يختلف عن كل الجهود السابقة، لكن انعدام الثقة بين الطرفين المتفاوضين قد يجعل من الاتفاق نسخة مكررة من اتفاقيات وقف إطلاق النار في أوكرانيا التي وقعت في عاصمة بيلاروسيا مينسك التي لم تحقق النجاح المرجو.
ظاهريًا، لن تُنشر الاتفاقيات التي تتكون من خمس وثائق مستقلة، خشية أن تستغلها الجماعات الإسلامية المتطرفة في إعاقة الجهود الإنسانية المفترض أن يبدأ تفعيلها عقب التوقيع. يعتبر هذا في حد ذاته مؤشرًا إيجابيًا، إذ إنه يعني أن الجانبين سوف يحاولان تفعيل بنوده، بدلاً من الدخول في جدال بإلقاء كل طرف مسؤولية اشتعال العنف على الطرف الآخر.
فقد تلقت الولايات المتحدة وعدًا من المعارضة السورية المعتدلة، وكذلك تلقت روسيا وعدًا من نظام بشار الأسد بوقف الحرب في حلب والانسحاب من طريق الكاستيلو، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية.
وبحسب الاتفاق، يفترض أن يتوقف النظام عن قصف المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، حتى وإن كانت تخضع حاليًا لما كان يسمى «جبهة النصرة». وفي حال تنفيذ تلك البنود لأسبوع واحد، ستؤسس الولايات المتحدة وروسيا مركزًا مشتركًا للاضطلاع بالتنفيذ يعمل كقناة لتبادل المعلومات والتنسيق لتوجيه ضربات لـ«جبهة النصرة»، و«داعش».
يعتبر هذا الاتفاق نوعًا من الصفقات التي لا يخسر بمقتضاها أي من الطرفين شيئا. وسوف تعمل الولايات المتحدة على أن تجعل روسيا ونظام الأسد يتوقفان عن ضرب مقاتلي قوات المعارضة بشكل عشوائي. وبمجرد أن يبدأ «مركز التنفيذ المشترك» في مباشرة عمله، من المفترض أن تتوقف الضربات من دون التنسيق مع الولايات المتحدة. وقد حصلت روسيا على تعهد من الولايات المتحدة بمحاربة «جبهة النصرة»، إذ إن روسيا تتشكك في صدق نيات الأميركان بشأن تنفيذه، لأنهم (الأميركيون) يريدون الإبقاء على «جبهة النصرة» كخطة «ب» لإسقاط النظام.
سوف تستفيد الأطراف السورية من الاتفاق أيضًا، لكن يبدو أن أغلب الفائدة ستعود على الأسد؛ فكلتا القوتين المتحاربتين، النظام السوري والمعارضة، أنهكتها الحرب وخارت قواها وأصبحت في حاجة إلى فترة لالتقاط الأنفاس. غير أن لقوات الأسد اليد العليا في هذا الوقت بعد أن جددت الحصار المفروض على حلب. لكن «جبهة النصرة» كانت أقوى جماعات المعارضة وأكثرها جاهزية في منطقة حلب، وفي حال وافقت الولايات المتحدة على محاربتها، فسوف يوافق الأسد على التراجع خطوة للخلف، ليرى الفتيان مفتولي العضلات يفتحون أبواب جهنم في وجه أقوى وألد أعدائه.
موقف الولايات المتحدة في سوريا ضعيف، لأن القوى التي تدعمها أحيانا تدخل في حرب بعضها مع بعض.
ناهيك بالموقف التفاوضي القوي للرئيس بوتين، فإن الضعف الأميركي يمثل أيضا تهديدًا للصفقة.
«لا أحد يبني اعتمادًا على الثقة»، بحسب كيري في المؤتمر الصحافي. فهذا في حد ذاته مشكلة، فعندما تنعدم الثقة، يجب أن تكون الاتفاقات بالغة الدقة والتعقيد لتحدد المناطق التي يحارب فيها الروس والأميركان جنبا إلى جنب.
في أسوأ السيناريوهات، لن تستمر الهدنة طويلاً، لأن، مثلاً، جماعة ما غير معروفة قررت الاستيلاء على قرية وقوات الأسد قررت الانتقام، ومثلاً لأن روسيا زعمت أن الولايات المتحدة عاودت مساندتها لـ«الإرهابيين». وحتى في حال التزام جميع الأطراف باتفاق وقف إطلاق النار، فسيكون هناك كثير من الشراك في الطريق، فمسمى «التنسيق الأميركي الروسي» قد يفشل بسبب التناقضات بينهما، وربما يستمر الأسد في القتال بدعم روسي ولو محدود.
بيد أن المشكلة الأكبر تكمن في نقص الروابط في أسلوب معالجة القضايا السياسية بعد تحقيق الانتصار المفترض للتحالف الأميركي الروسي على «جبهة النصرة» و«داعش». فإن لم يصل اللاعبان الأساسيان لحل مشترك يدفعان باتجاهه، فسوف تسود حالة من الشك بين اللاعبين المحليين، وسوف يكون هناك كثير من الأسباب لاستمرار القتال.
فالولايات المتحدة وروسيا تخطوان كما يخطو طفل صغير لبناء الثقة المطلوبة لتحقيق حل دائم.
أقل ما يتعين علينا فعله الآن هو أن نتفاءل.
* بالاتفاق مع «بلومبيرغ»