جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

طواويس الدرجة الأولى

السفر جميل، وقد يكون أجمل عندما «يفتحها الله في وجه المسافر»، ويعطيه فرصة عيش الرفاهية في الجو من خلال مقعد وثير في الدرجة الأولى أو حتى درجة رجال الأعمال.
عندما تصل إلى بوابة الإقلاع، أي آخر نقطة قبل أن تقلك الطائرة، يتحول بعض المسافرين إلى طواويس، هل لاحظتم ذلك؟ نعم طواويس، ينفشون ريشهم وتصبح أنوفهم مروسة أكثر ومتجهة نحو السماء، وهناك عدة أنواع من الطواويس، منها من يعيش دور الطاووس لأول مرة، ومنها من يتقن دور الطاووس بمهارة، وأخيرًا الطاووس بالفطرة.
قد تكون الطبقية التي تفرضها درجات السفر هي السبب الذي لا بد أن نلقي اللوم عليه، فعندما يتم استدعاء ركاب الدرجة الأولى، وبعدهم ركاب درجة رجال الأعمال للصعود إلى الطائرة قبل غيرهم من ركاب «درجة الغلابة» تشعر فعلاً بما هو أشبه بهزة أرضية محلية عندما يتأهب هؤلاء الطواويس وهم ينظرون من حولهم إلى الركاب العاديين، وينظرون إليهم نظرة تبوح بكثير.. يصعدون إلى الطائرة ويتموقعون في مقاعدهم الفارهة الوثيرة التي تنبعث منها رائحة الجلد الطبيعي لتطال المدرج في الخارج، حتى ابتسامة المضيفين والمضيفات في درجتي «الميسورين» أعرض من ابتسامة هؤلاء من يعملون في الدرجة السياحية، ولم ينتهِ مشهد الطواويس منفوشة الريش هنا، لا بل يتأجج مع دخول «الغلابة» إلى «علبة السردين» التي تنتظرهم في الخلف عن طريق درجة رجال الأعمال ورؤية هؤلاء الركاب المرتاحين، الفرحين والمتأففين من وطء المحرومين لأرضية درجتهم، لكن وفي الوقت نفسه يعشقون هذه اللحظة عندما يرمقون راكب الدرجة السياحية المسكين بنظرة.. يا ويلاه كم هي نظرة معبرة وقوية مفادها «آه لو تشعر ما أشعر به»، فيكمل الراكب المسكين «درب الآلام»، ليصل إلى كرسيه الضيق الذي نسيت بعض شركات الطيران أن تشغل زر تحريكه، فوضعت الزر فقط للزينة، ليس لإعطاء مزيد من الراحة للراكب المسافر رأفة بخرزات ظهره وعموده الفقري.
نظريتي هذه ليست من فراغ إنما مبنية على دراسة نشرت مؤخرا في «أكاديمية العلوم» في الولايات المتحدة، وشارك فيها كتّاب من جامعتي تورونتو وهارفارد تبين أن سبب المشكلات التي تحصل في الدرجة السياحية هي بسبب الطبقية التي تمارس في الجو، وبينت الدراسة أن طريقة استدعاء ركاب درجتي رجال الأعمال والأولى تذكر المسافرين الأقل حظًا في الدرجة السياحية بالطبقية، ولو لفترة قصيرة، وتؤثر بالتالي على تصرفاتهم، وفي بعض الأحيان تتسبب في أعمال غير أخلاقية ومشكلات وخلافات. قامت هذه الدراسة على مقارنة الرحلات التي يصعد خلالها ركاب الدرجة السياحية من وسط الطائرة بتلك التي يصعد خلالها الركاب من مقدمة الطائرة عبر درجة رجال الأعمال، وتبين أن المشكلات خلال الرحلة تحصل فقط عندما يدخل الركاب عبر درجة رجال الأعمال وتزيد بواقع 12 مرة أكثر من الرحلات الأخرى.
المضحك المبكي في آن هو أن الغيرة الجوية لا تقتصر فقط على ركاب الدرجة السياحية حيال درجتي المرفهين، إنما أيضًا تنطبق على ركاب درجة رجال الأعمال الذين يمارس عليهم هم أيضًا دور الطاووس من قبل ركاب الدرجة الأولى.
لكن السؤال هل هذا الطاووس ينفش ريشه لأنه دفع ثمن التذكرة أم أنها دعوة من قبل الشركات أو من خلال عمله؟ لأن الطواويس الذين يدفعون ثمن تذاكرهم يتصرفون كأنهم عصافير رقيقة ليست بحاجة إلى نفش ريشها، لكي تدرك الطيور الأخرى بأنها تستطيع أيضًا الطيران والتحليق عاليًا.