جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

..وأصبح للبخشيش «إيتيكيت»

بداية، أتمنى لجميع قرائي الأعزاء سنة جديدة ملؤها الأمل والسعادة، وأتمنى أن تكونوا قد أمضيتم إجازة ممتعة.
عدتُ للتوّ من رحلة بدأت في الولايات المتحدة وتحديدًا من مرفأ هيوستن في تكساس، وعلى متن باخرة عملاقة تحدت أمواج عاصفة عاتية لم يُنسِنا إياها إلا دفء البحر الكاريبي وشمسه الدافئة. وصلنا إلى جزر رائعة من بينها «كايمن آيلاندز» و«مونتيغو باي» في جامايكا.
إذا كنت قد زرتَ الولايات المتحدة فأنت على علم ودراية بأهمية «البخشيس» بالنسبة لجميع العاملين في بلاد العم سام، حتى سائق التاكسي ينتظر «البخشيس». فهناك حكاية - والله أعلم إذا كانت صحيحة - مفادها أن تقليد «البخشيش» بدأ في أميركا والكلمة بالإنجليزية هي «TIPS» وهي تختصر الجملة التالية «To Insure Prompt Service»، وترجمتها «لضمان خدمة سريعة»، وبحسب الرواية التي سمعتها يتعين عليك دفع البخشيش عند وصولك إلى المطعم أو الفندق.. لضمان خدمة سريعة.
وفي الحقيقة، إذا ما فكرت بالأمر تجده مقنعًا وأكثر منطقيًا من النمط المعهود في دفع البخشيش في نهاية العشاء أو قبل مغادرة المكان مباشرة.
إذن نفهم هنا أن البخشيش له طقوسه وتقاليده في أميركا ويعول عليه الأميركيون لدرجة أن هناك مواقع إلكترونية مخصصة للسياح الذين ينوون زيارة أميركا لأول مرة، تخبرهم بإتيكيت البخشيش وبالنسبة التي ينتظرها العاملون والندل والتي تتراوح ما بين 15 و20 في المائة من قيمة الفاتورة الإجمالية.
وعلى موقع «تريب أدفايزر» العالمي، تخصص مساحة كبرى لإعلام السياح بأصول البخشيش في الولايات المتحدة، وقد يكون سبب أهمية البخشيش هو الأجور المتدنية حيث يتقاضى النادل في مقهى أميركي - مثلا - مبلغا لا يتعدى الدولارين و13 سنتا لساعة العمل الواحدة.
واللافت هو أن أهمية البخشيش وصلت إلى جزر الكاريبي وبعنف، فإنك إذا استقللت سيارة أجرة أو عربة نقل للعموم، أول ما تراه عينك هو صندوق بجانب السائق وعليه عبارة «نحن نقدر البخشيش»، وقد يكون هذا التأثير الأميركي الوحيد الذي تبناه الشعب الكاريبي بحذافيره ولو أن الفرق كبير بين تطبيقه في الكاريبي والولايات المتحدة.
في أميركا، يُفرض عليك البخشيش، ولا يحرك حامل الحقائب في الفندق ساكنًا إلا بعد أن تعطيه بعض الدولارات، أما في المطعم فيقف النادل أمامك وينتظر ولا يغادر إلا عند دفعك البخشيش، وفي حال لم تدفع النسبة المنتظرة، لا تتفاجأ من ردة الفعل فقد تكون قوية ولا تخلو من الوقاحة.
وعلى الرغم من درايتي بأهمية دفع البخشيش في أميركا، فإنني أرفض دفع مبلغ إضافي في حال كانت الخدمة سيئة أو معاملة النادل غير مهذبة. وهذا ما حصل في أحد المطاعم خلال زيارتي الأخيرة، حيث كانت الخدمة أسوأ من سيئة وكانت النادلة خالية من الأدب والأخلاق فامتنعت عن دفع البخشيش، وتركت المطعم من دون ترك أي سنت إضافي، وفي طريقي إلى الطابق السفلي وأنا أخطو أولى خطواتي على السلم الحلزوني انقضت علينا النادلة قائلة وبأعلى صوتها: «ماذا أفعل بالبخشيش.. أقدمه لجمعية خيرية؟»، معبرة عن استيائها العارم، ولكن المنطق يقول إن البخشيش هو عربون تقدير، ولكن في هذه الحالة لم تستحق العاملة أي تقدير، لأن معاملتها كانت مستفزة، من دون أي سبب.
برأيي الشخصي، مسألة البخشيش الإلزامي، وبنسبة إلزامية، أمر مزعج بعض الشيء، فعندما يقوم العامل بواجبه من الضروري شكره ماديًا، ولكن عندما تكون الخدمة سيئة فلا أظن أنه من الضروري السخاء في الدفع الإضافي.
في النهاية، إذا قررتم السفر إلى الولايات المتحدة ثقفوا أنفسكم مسبقًا، لأنه أصبح للبخشيش في أميركا «إتيكيت».