محمد واني
كاتب من كردستان العراق
TT

إجماع على بقاء الطاغية

ما زال المجتمع الدولي يتفاعل مع قرار روسيا الحاسم بالتدخل العسكري في الشأن السوري بشكل مباشر ونقل الجنود والمعدات العسكرية المتطورة إلى قاعدتها العسكرية في اللاذقية بعد أن كان بصورة غير مباشرة ولسنوات.
وطبعا لم يأت هذا القرار بمعزل عن الموافقة المسبقة للقوى الغربية وأميركا، رغم الاعتراضات والاحتجاجات التي أبدتها وزارة الخارجية الأميركية والمسؤولون الآخرون في البيت الابيض؛ الذين أعربوا عن قلقهم الشديد حيال هذا التطور الخطير الذي من شأنه زعزعة الاستقرار وتفاقم معاناة السوريين.
ولكن روسيا استمرت في تنفيذ حملتها العسكرية وطلعاتها الجوية من دون أن تأبه لتلك الاعتراضات والانتقادات، ولو لم تتلق روسيا من القوى الغربية الضوء الأخضر لدخول سوريا بهذا الشكل السافر، لما تجرأت على هذه الخطوة المحفوفة بالمخاطر، متحدية بذلك المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بسيادة سوريا ومتجاوزة جميع البروتوكولات والاتفاقات الدولية المبرمة لحل الأزمة السورية والمؤتمرات المعقودة للسلام مثل مؤتمر جنيف الأول والثاني وغيرها.
ثمة مؤشرات تؤكد أن أطرافا دولية عديدة غربية وروسية وإسرائيلية أيضا تعد لطبخة سياسية جديدة في سوريا تقضي بتوزيع الأدوار بين اللاعبين الأساسيين، وربما تضطلع روسيا وإسرائيل في المعادلة الجديدة بمهام وأدوار أبرز.
لم تكن إسرائيل ببعيدة أبدا عن المشهد السياسي في سوريا، فقد كانت تراقب الأوضاع فيها بقلق وتواكب الأحداث وتتابعها أولا بأول طوال السنوات الأربع الماضية من عمر الصراع الداخلي السوري، وكانت ترجو وتتمنى وربما تعمل بصورة غير مباشرة على إبقاء بشار الأسد في سدة الحكم لأطول فترة ممكنة، لأن مصلحتها الجيوستراتيجية تفرض إبقاء بشار الأسد في الحكم، لكي تستمر معه "حالة الاستقرار السائدة منذ أربعين عاما على حدودها مع سوريا بفضل سياسات عائلة الأسد الحاكمة"؛ على حد قول الخبير في شؤون الشرق الأوسط موشيه معوز. ويبدو أن من مصلحتها ايضا ان تتدخل روسيا في الشأن السوري عسكريا لصالح نظام الأسد الذي أصبح يترنح تحت ضربات المقاومة الثورية و"تزيد في صفوف قواته خسائر فادحة تصل في بعض التقديرات إلى ما يقارب 100 ألف جندي وسط تقارير تفيد بأن الأسد يفقد الرجال من حوله والذين يقاتلون من أجله، وإذا استمر الحال على هذا المنوال فسوف يسقط الأسد، وهذا ما لا تسمح به إسرائيل وروسيا وأميركا، فكلها متفقة على بقائه وعدم التفريط فيه، وهذا ما أشار إليه وأقره السفير الروسي لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين بوضوح في حديث له مع قناة "سي بي إس نيوز" الأميركية عندما قال: "أعتقد أن هناك أمراً نتشاطره مع الولايات المتحدة، مع الحكومة الأميركية: إنهم لا يريدون لحكومة الأسد أن تسقط. لا يريدون لها أن تسقط. يريدون محاربة "داعش" بصورة لا تؤذي الحكومة السورية".
إذن، فالعبارة التي يرددها المسؤولون الأميركيون دائما حول ضرورة "رحيل الأسد عن السلطة" لأنه "فقد شرعيته"، مجرد كلام للاستهلاك السياسي لا يقدم ولا يؤخر، فقد ظلوا لأربع سنوات يكررون هذه العبارات (الخائبة) من دون أن يقدموا أي مبادرة لتجسيدها على أرض الواقع، والمرة الوحيدة التي ظننا أنهم سينصفون السوريين ويقتصون من النظام المجرم الذي تسبب في قتل ربع مليون إنسان بريء وتشريد الملايين، وأنهم فعلا جادون في إسقاطه، كانت في عام 2013 عندما تحركوا ببوارجهم الحربية إلى السواحل السورية عازمين على تأديب الرئيس المجرم لقيامه باستعمال الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، ولكنهم في آخر لحظة تراجعوا عن قرارهم وعادوا من حيث أتوا من دون أن يقوموا بشيء.. وطلعت العملية "فشنك!".