علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

حركة تبادل العقول العالمية

كل منا يريد عقلاً أفضل، وهو ما جعل الناس جميعًا في حالة استياء شديدة، كل منهم كان يتطلع لعقل شخص ما. أثيرت المشكلة على كل المستويات، بعد أن وصل الناس لحالة من التعاسة غير مسبوقة على الأرض. وظهرت صيحة جديدة من صيحات الحرية تطالب بحق الإنسان في الحصول على عقل يوافق قدراته وميوله. هكذا وبعد مداولات طويلة أصدرت الأمم المتحدة قرارًا بأن من حق كل إنسان أن يخلع عقله، وأن يقوم بتركيب عقل شخص آخر. وفي احتفال حضره سكان الأرض جميعًا في أكبر ساحات الدنيا، وعلى أنغام الموسيقى، خلع كل إنسان عقله ووضعه في علبة زجاجية تظهر تفاصيله ومزاياه وعيوبه، ولكن بغير أن تذكر اسم صاحب العقل الأصلي، ثم نزلت الناس جميعا إلى الساحة تفحص العقول بدقة وأمل لتختار من بينها.
مع الغروب كان سكان الأرض جميعا قد انتهى كل منهم من اختيار عقل جديد، قام بتركيبه على الفور عند أقرب سباك.. وكانت المفاجأة، لقد اختار كل شخص عقله. أو كما يقول أولاد البلد، كل واحد وعقله.
انتهى حديث الحدوتة الشعبية، وبدأت محاولتنا لفهمها بعد أن أمتعتنا بجمال الفكرة.. اسمح لي بأن أحاول الخروج من الحدوتة بتلك الرسالة المشفرة التي تعود الأجداد أن يرسلوها لنا في حواديتهم. لقد استخدمت الحدوتة كلمة العقل بمعنى الوعي واللا وعي معًا. أي كل قدرات الإنسان الغريزية والعقلية والنفسية. وذلك لكي تثبت في النهاية وبشكل قاطع أن تغيير العقول أمر مستحيل. وأن كل إنسان عندما يجد الجد، ينحاز لأفكاره وتركيبته النفسية. عدد قليل جدًا من البشر هم القادرون على تغيير أفكارهم إلى الأجمل والأنفع. كل الأفكار الجماعية التي تطلب من الناس التخلص من أفكار سيئة واعتناق أفكار جديدة، هي محض خرافة. ستلحظ ذلك على سبيل المثال في الدعوة لتجديد الخطاب الديني. لقد اخترنا مجموعة قوية من الناس وطلبنا منهم أن يخلعوا عقولهم، وأن يقوموا بتركيب عقول أخرى. وبدأوا في التنفيذ بإخلاص لتكتشف بعد عدة شهور أنهم يعملون بعقولهم القديمة.
الناس سعداء أو على الأقل راضون عن عقولهم، وهذا هو ما يسد باب التغيير، ليس المطلوب تغيير عقولهم بل السماح للحالمين أصحاب العقول القوية بأن يتقدموا الصفوف، ويقوموا بعمل التغيير المطلوب، وهو تغيير ليس مطلوبًا لذاته، بل لإعادة البناء لما تهدم من حياتنا هذا هو درس التاريخ.
[email protected]