علي سالم

علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل

عصير الربيع الصحي

في منتصف خمسينات القرن الماضي وربما بعدها أو قبلها بقليل، نشرت إحدى الجرائد خبرًا في قصة أو قصة في خبر عن فلاح من إحدى قرى محافظة المنوفية، كان في طريقه إلى عاصمة المحافظة سيرًا على الأقدام، وذلك للذهاب إلى عيادة الطبيب الذي كان يعالجه من الضغط والسكر وعدة أمراض أخرى. وفي الطريق الزراعي شعر بالتعب فجلس على رأس حقل برسيم ليستريح قليلاً. في حقول البرسيم ينمو عادة نباتان بشكل تلقائي، وهما السريس والجُعضِيض، وهما نباتان لذيذان، وخصوصًا عندما يؤكلان مع الجبن القريش. مدّ الرجل يده في الحقل وانتزع عدة أوراق من السريس، ثم أخذ يمضغها في تلذذ.

السهم والتفاحة

في بداية تسعينات القرن الماضي، دعت سويسرا عددا من كتاب العالم لزيارتها وكلفت كلا منهم بالإجابة عن سؤال واحد. على أن تنشر هذه الإجابات - المقالات في كتاب بمناسبة الاحتفال بمرور سبعمائة عام على الاتحاد السويسري. كان السؤال الذي وجه إليّ هو: ما الذي يجعل السويسريين.. سويسريين؟ باحثا عن الإجابة، زرت قطاعاتها الثلاثة؛ الألماني والفرنسي والإيطالي فتعلمت درسا مهما هو أنه من الممكن قيام الوحدة مع التعدد. طلبت من المسؤول عن الرحلة أن يخفف من لقاءاتي مع كبار الكتّاب والفنانين، أريد أن أتكلم مع الشباب. وفي لوجانو زرت مدرسة ثانوية، كانوا يدرسون باللغة الإيطالية بالطبع.

دستوركم يا أسيادي

سمعت صوتًا هاتفًا في السحر. لم أكن أحلم. رددت عليه: «من الهاتف؟»، فردّ بصوت لطيف: أنا الشعب، جئت أطلب منك كتابة الدستور. «ولكنهم كتبوه يا سيدي، وأنا لست أفهم في الدساتير يا سيدي الشعب؛ لماذا لا تطلب مني أن أكتب لك مسرحية؟!». قال: أنت مثقف عملي، وأنا أطلب منك أنت بالذات أن تكتب لي دستوري الذي أريد من مواده أن تفعّل نفسها على الفور في الحياة اليومية. لست أريد عالمًا في كتابة الدساتير، أنا أريد كاتبًا جاهلاً بالقوانين والدساتير. شرطي الوحيد أن يكون عاشقًا للحياة.. اكتب لي دستوري من فضلك. بعد فنجان القهوة الخامس، بدأت في كتابة الديباجة.

مصر.. ربما

بالطبع أنا أعرف كل الأسئلة من نوع: مصر إلى أين؟ أما السؤال الذي أدهشني حقًا فهو: مصر.. أين؟ وكان لا بد أن أرد عليه بسؤال أشد، فكان: مصر.. ربما؟ وفي كل الأحوال الأسئلة من هذا النوع تتعامل مع مصر بوصفها مركبة فضائية سابحة في الفضاء تنتظر من يشير عليها بخريطة طريق. غير أنه لا بد من الاعتراف بأن السائل بكل هذا النوع من الأسئلة لا يشعر بالطمأنينة، للطرق التي تتبعها، ويرى بأنها لا توصل لشيء. ولما كانت الدنيا تعبر عن نفسها من خلال مشاهد يقوم بها بشر، فإنه بدراسة هذه المشاهد يمكن التعرف على حقيقة الأمراض التي تمر بهذا المجتمع.

الطبيب والمريض الواحد

في معرض حديثه عن العلاقة بين مصر وأميركا، ذكر أحد المتكلمين الفضائيين تشبيهًا أعجبني لبلاغته، قال: طبيب واحد في البلدة لديه مريض واحد، لذلك هو يحرص على ألا يصل به إلى مرحلة الشفاء لكي لا يغلق عيادته، كما يحرص على بقائه على قيد الحياة لكي لا يموت فيفقد مصدر رزقه. هذا النوع من الصور البلاغية يغريني بالبحث في آليات التفكير التي أنتجتها.

غرفة القراءة المسرحية

.. والمسرح ليس أدبًا، بل هو فن. فالأدب أداته اللغة، بينما الفن أداته الفعل. بالطبع هناك بينهما مساحات من الأرض المشتركة، غير أن المسرح يظل فنًا قائمًا على الفعل وأساسه فن التمثيل كما شرحت لك من قبل. ولأن النص المسرحي ليس أدبًا، فكاتبه ليس أديبًا بل هو فنان مارس التمثيل في مرحلة من حياته، من المستحيل أن تجد مؤلفًا مسرحيا ليس عاشقًا للتمثيل. هناك بالفعل مائة ممثل داخل كل مؤلف مسرحي، وهناك أديب واحد داخل المؤلف الروائي. هكذا ترى أننا عدنا مرة أخرى إلى المكان الذي انطلقنا منه وهو التمثيل في المسرح بوصفه العامل الأساسي الذي حضر من أجله المتفرج.

يا لجمال الشر

أدوار الشر ممتعة للممثل والمتفرج على حد سواء، ولو أنني خيرتك بين محمود المليجي وشكري سرحان فستختار على الفور المليجي العبقري الذي لا ينسى. أنا شخصيًا أمر بمرحلة تجعلني أقرب إلى لعب أدوار شريرة، أن أفسد شيئًا أو أشياء في مصر، وإذا كنت حريصًا على الحرية الاقتصادية في مصر كطريق وحيد للنجاة، لذلك عليّ أن ألعب دورًا معاكسًا، أن أقوم بتدمير شركة أو عدة شركات قطاع خاص، لا بد أن أسعد أنا وعدد كبير من زملائي بتدمير عدد من هذه الشركات التي يمتلكها مصاصو الدماء. هؤلاء الذين لم يستمتعوا بمص مصاصات بشكل كافٍ في طفولتهم فتكونت عندهم هذه العقدة بعد أن كبروا، ولم يجدوا طريقة لإشباعها إلا بمص دماء شعوبهم.

الصياد والسمكة

حكت لي جدتي أن صيادًا رمى شباكه فطلعت له سمكة غريبة الشكل قالت له: أنا سمكة مسحورة.. من فضلك أعدني إلى الماء وأنا أكافئك مكافأة عظمى.. أنت تعيش مع زوجتك وابنتك الطفلة وتعانون الفقر والحرمان.. إذا أعدتني إلى الماء، فأنا أضمن لك بإذن الله أن تستجيب السماء لدعائك أنت وزوجتك وابنتك.. ستتحقق لكل منكم أمنية واحدة بإذن الله. أعادها الصياد إلى الماء وعاد إلى بيته، وهو يكاد يطير من الفرحة. حكى الحكاية لزوجته وابنته، وخرج إلى مقهى قريب ليتناول الشاي والمعسل، وليفكر على مهل في الأمنية التي سيتمناها. لم تضع الزوجة وقتها، رفعت رأسها إلى السماء وقالت في حرارة وابتهال: يا رب..

سر الكراهية للمرأة

اثنان من أشهر كتّاب المسرح في القرن التاسع عشر، الأول هو أوغستس سترندبرغ النرويجي، وهنريك إبسن السويدي. الاثنان كانا مسرحجية بحق، بمعنى أنهما كانا يقومان بالتأليف والإخراج، بالإضافة إلى أن إبسن كان شاعرًا أيضًا. ما يهمني هنا هو أن أعرض لك فكرتهما عن العلاقة بين الرجل والمرأة. كان سترندبرغ يرى أن العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة هي علاقة صراع، ومعظم مسرحياته تصب في هذا الاتجاه. أما إبسن الذي يوصف بأنه رائد المسرح الحديث، فلم ينشغل بطبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة، بل انشغل بقضية المرأة ذاتها.. بحقوقها كإنسانة ومواطنة.

الحب والكوميديان

كان نجم الكوميديا الأكثر حضورًا وسطوعًا، منذ نصف قرن، عند ظهور مسرح التلفزيون في مصر. غير أنه ظهرت عقبة تمنعه من الظهور على المسرح، بعد أن رفضت زوجته، التي كانت سيدة فاضلة وموظفة كبيرة، أن يعمل في المسرح. وانتقلت إليها لجنة من حكماء ذلك العصر المهتمين بالثقافة والفن والكوميديا بوجه خاص، وقالوا لها: «كيف يا سيدتي وأنتِ محسوبة على قبيلة المثقفين، تمنعين زوجك من التمثيل على خشبة المسرح؟ لا نصدق يا سيدتي أنك تحرمين الجماهير المصرية من إبداعه وقدراته الفكاهية العالية». فأجابت السيدة: «دافعوا أنتم عن الفن وعن مصر..