علي سالم
كاتب ومسرحي مصري. تشمل أعماله 15 كتابا و27 مسرحية أغلبيتها روايات ومسرحيات كوميدية وهجائية، كما نشر تعليقات وآراء سياسية خاصةً بشأن السياسة المصرية والعلاقات بين العالم العربي وإسرائيل
TT

الطبيب والمريض الواحد

في معرض حديثه عن العلاقة بين مصر وأميركا، ذكر أحد المتكلمين الفضائيين تشبيهًا أعجبني لبلاغته، قال: طبيب واحد في البلدة لديه مريض واحد، لذلك هو يحرص على ألا يصل به إلى مرحلة الشفاء لكي لا يغلق عيادته، كما يحرص على بقائه على قيد الحياة لكي لا يموت فيفقد مصدر رزقه. هذا النوع من الصور البلاغية يغريني بالبحث في آليات التفكير التي أنتجتها. المتكلم هنا يرى نفسه مريضًا، مريضًا محرومًا من الذهاب إلى الطبيب الذي يختاره في ذلك البلد المتخلف، الذي لا يوجد به سوى طبيب واحد لا يعبأ بشرف المهنة التي تحتم عليه أن يعالج مرضاه لكي يشفيهم، هذه هي أميركا كما يراها، العلم والمعرفة والقدرة المهنية العالية والتي يمارسها صاحبها جميعًا للوصول إلى هدفه الشرير. أنا أفهم موقف المريض المسكين العاجز عن الذهاب لطبيب آخر، لأنه لا يوجد طبيب آخر، غير أني لست أفهم موقف هذا الطبيب، لماذا هو شرير إلى هذه الدرجة؟.. بمعنى أوضح لماذا أميركا شريرة إلى هذا الحد؟
الإجابة هي: لأنها أميركا.. هذه ليست إجابة العوام، بل هي إجابة السواد الأعظم من المثقفين. إنها أميركا التي تريد تفتيت وتقسيم مصر والقضاء على شعبها حفاظًا على أمن إسرائيل، وكأن إسرائيل ستنعم بأي نوع من الأمن وعلى حدودها دولة تم تمزيقها وتفتيتها وتركت لتحكمها العصابات بما يترتب على ذلك من حتمية وجود حدود مشتعلة بينها وبين المصريين. غير أن هذه الفكرة الشائعة في الأدبيات السياسية في مصر، تجعلني أفكر في أن فكرة الشيطان تحتل مكانًا مهمًا ومكانة مرموقة ليس في الفكر الديني فحسب، بل في الفكر السياسي أيضًا. الشيطان قابع في عقولنا جميعًا يبحث عن شخص أو جهة أو دولة ليتجسد فيه حيًا وفاعلاً. غير أن دور الشيطان وفاعليته يتعدى ذلك عندما يتيح لنا قدرًا كبيرًا من اليأس المريح، كما يعفينا من التفكير المسؤول. عندما يكون الشيطان ذاته عدوك، فماذا بوسعك أن تفعل في مواجهته، هزيمتك أمامه محققة تحتمها قدرية ساحقة ماحقة. وهو ما يدفعك أيضًا لاستسهال الكذب على نفسك وعلى الآخرين، وفي نهاية الأمر لن تجد في يدك سلاحًا إلا الشتيمة. الشيطان يمدك بالسلاح.. «مش عاوزين حاجة من وشهم.. هم بيدفعوا كام..؟ نلمهم إحنا من بعضينا وندفعهم.. مش عاوزين المعونة بتاعتهم...»، ولكن الواقع المر يقول، أنت في حاجة لسلاحهم ومعوناتهم المادية.