د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

مناخ الاستثمار والأداء الاقتصادي

استمع إلى المقالة

يعد المناخ الاستثماري نتاج تفاعل العوامل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي تؤثر على ثقة المستثمر وتعمل على تشجيعه وتحفيزه على استثمار أمواله في دولة ما دون الأخرى، إلا أن نصيب أي دولة من الاستثمارات يعتمد على عوامل كثيرة، أهمها المناخ الاستثماري للدولة الجاذبة للاستثمارات والمحفزة للاستثمار، حيث تعرف البيئة الاقتصادية المستقرة والمحفزة والجاذبة للاستثمار بأنها في تلك الدولة التي تتميز بعدم وجود عجز في الميزانية العامة ويقابله عجز مقبول في ميزان المدفوعات، ومعدلات متدنية للتضخم وسعر صرف غير مغالى فيه وبنية سياسية ومؤسسية مستقرة وشفافة.

إن خلق البیئة الاستثماریة المناسبة، التي تساهم في استقطاب الاستثمارات الأجنبیة المباشرة، يعد غایة تسعى إلیها الدول، حیث یتطلب منها إجراء الكثير من الإصلاحات وتقدیم الحوافز والضمانات للمستثمرین وتطویر البنیة التحتیة وتحسین مناخ وبیئة الأعمال، وإجراء الإصلاحات الاقتصادیة المناسبة، إضافة إلى قیامها بعقد الاتفاقات مع الدول، بما يساهم في حریة حركة التجارة الدولیة، واتخاذ كل التدابیر التي تعمل على تحفیز المستثمرین للقیام بالمشاریع الاقتصادیة.

ويعد حجم السوق أحد أهم العوامل في جذب الاستثمارات الأجنبیة، حیث یتم تعریف حجم السوق في الأدبیات الاقتصادیة، إما بالناتج المحلي الإجمالي أو بحجم السكان أو بنصیب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. ویلعب كُبر حجم السوق دورا هاما في زیادة الطلب على المنتجات السلعیة والخدمیة، وكذلك إمكانیة البیع والربح في تصریف السلع والخدمات التي یتم تقدیمها، إضافة إلى توفیر وخلق الكثير من فرص العمل، وبالتالي یساعد كبر حجم السوق على استقطاب المستثمرین الأجانب لإقامة مشاریعهم الاستثماریة سواءً التجاریة والصناعیة والزراعیة والخدمیة، وهذا یعني أن اقتصادیات السوق الكبیرة تجذب المستثمرین، إضافة إلى أن الأسواق الكبیرة لدیها القدرة على تصریف المنتجات السلعیة، وبالتالي إمكانیة توفر المزید من فرص الربح.

وتكمن أهمية مناخ الاستثمار وبيئة أداء الأعمال في الاقتصاديات الوطنية، في كونه المسؤول عن معدل تراكم رأس المال، ومن ثم فهو يلعب دورا هاما في توسيع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد، والتي لا يمكن بلوغها إلا من خلال الاعتماد على الاستثمار المحلي والمباشر العربي والأجنبي.

واعتمادا على تقرير مناخ الاستثمار في الدول العربية لعام 2022، واستنادا إلى 14 مؤشراً اقتصادياً ومالياً خلال عام 2021، استقر المتوسط العام لترتيب الدول العربية عالميا في تلك المؤشرات عند المركز 89 خلال عام 2021، وحلت 9 دول عربية في مستوى أفضل من المتوسط العام العربي لهذه المؤشرات، إذ جاء أفضل متوسط ترتيب للدول العربية في مؤشر صافي الإقراض والاقتراض كنسبة من الناتج، ومؤشر خدمة الدين كنسبة من صادرات السلع والخدمات والدخل الأولي، ومؤشر الناتج المحلي الإجمالي وفق تعادل القوة الشرائية.

كما تصدرت كل من الإمارات والسعودية المرتبة الأولى عربيا بمتوسط ترتيب بلغ 46 في أهم مؤشرات الأداء الاقتصادي الداخلي والخارجي الأربعة عشر لعام 2021، تلاهما كل من الكويت وقطر، ثم ليبيا والعراق والبحرين والمغرب، وصولا إلى الجزائر بمتوسط ترتيب 86.

وعلى صعيد الدول العربية التي حلت في مراكز متقدمة في المؤشرات الاقتصادية، حلت ليبيا في المرتبة الأولى عالميا وعربيا في مؤشري معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي وإجمالي الاستثمارات كنسبة من الناتج، والثانية عالميا (الأولى عربيا) في مؤشري صافي الإقراض، ورصيد الحساب الجاري من الناتج.

كما تصدرت الجزائر المرتبة الأولى عالميا وعربيا في مؤشر إجمالي خدمة الدين كنسبة من صادرات السلع والخدمات والدخل الأولي، والعاشرة عالميا (الثانية عربيا)، في مؤشر إجمالي الاستثمارات كنسبة من الناتج. وجاءت البحرين في المرتبة الثالثة عالميا والأولى عربيا في مؤشر معدل التضخم، كما حلت قطر في المرتبة الرابعة عالميا والأولى عربيا في مؤشر نصيب الفرد من الناتج وفق تعادل القوة الشرائية، وفي المرتبة السابعة عالميا في مؤشر صافي الإقراض كنسبة من الناتج، كما حلت جيبوتي في المرتبة الخامسة عالميا في مؤشر إجمالي خدمة الدين كنسبة من صادرات السلع والخدمات والدخل الأولي.

في الختام، يشكل مناخ الاستثمار والأداء الاقتصادي، مصدراً هاماً لتدفق رؤوس الأموال وزيادة الاحتياطيات من العملات الأجنبية، التي تلعب دوراً كبيراً في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، والمساهمة في النمو الاقتصادي بشكل عام في الدول العربية.