جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

حديث الباب!

هل لاحظتم شيئا في عالمنا العربي؟ يحلو لنا الحديث والتسامر عند الباب، ولأكون أكثر مصداقية، أقون إن هذا يحدث عند انتهاء الزيارة الرسمية. واللافت هو أن هذه العادة لا تطال دولة عربية أو شعبا عربيا دون سواه، إنما هي عادة لا أعرف من أين جاءت، وكيف استطاعت أن تغزو شعوبنا كلها، لنصبح جميعا متجمعين عن الباب؟
فهذه العادة تطال جميع العرب بدون استثناء، وفي حال كنت تعيش في أوروبا، ووجدت صديقا أوروبيا يقوم بهذا التصرف فلا تلم إلا نفسك، فأنا متأكدة بأنك أنت السبب.
من الأشياء الصعبة في الحياة، التي لا نوليها الكثير من التفكير والأهمية، هي إدارة دفة الحديث أو حتى خلق حديث من أصله، لا سيما إذا كانت الزيارات رسمية وشكلية.. عائلية أو مفروضة علينا، فيكون اختيار المواضيع صعبا، ولكن ما أن تنتهي الزيارة ويتوجه الضيف مع مضيفه إلى الباب، حتى ترى الألسنة منطلقة من الطرفين، وفي بعض الأحيان يتعدى وقت الزيارة على الباب، وقت الزيارة داخل المنزل، ولكن لماذا؟
الغريب هو أن أكثر الأحاديث إثارة وأكثرها فكاهة تأتي عند الباب، والأغرب هو أن الطرفين، الزائر والمضيف يتحولان في لحظات إلى شخصين مختلفين، فهل السبب هو الجو الرسمي داخل البيت، أم أننا نحن العرب لا نعرف حتى كيف نخطط للحديث؟
في بلداننا وعندما يكون المناخ معتدلا ليس هناك مشكلة ولا ضرر في فتح باب الأحاديث على مصراعيها، وإجراء زيارة خاصة عند الباب، ولكن في إنجلترا التي أعيش فيها، فالطقس لا يرحم لا صيفا ولا شتاء، وأذكر في مرة من المرات، وبعد زيارة عادية خلت من الأحاديث الشيقة، اقترب لون بشرتي من اللون الأزرق بسبب الصقيع، بعدما قررت مضيفتي طرح سؤال يتعيّن عليّ أن أمضي أكثر من خمس عشرة دقيقة أشرح فيها الجواب لهذا لسؤال، وقمت بذلك على الرحب والسعة، ولكن بعدها فكرت بالموضوع وسألت نفسي، لماذا لم تختر طرح السؤال خلال الزيارة ونحن نجلس على أريكة مريحة، وفي جو دافئ بدلا من أن أقص عليها الحكاية وصوتي يتقطع، وكلماتي تتردد ومخارج حروفي تتقهقر من شدة البرد؟ الجواب: «ليتني كنت أعرف».
ولفت نظري إلى هذه القضية أصدقاء أجانب، فهم ينهون الزيارة يودعون الأصدقاء في الداخل ويهمون بالذهاب، أما نحن فعندما نهم بالجلوس نلوذ بالصمت، وما أن يحين موعد الانصراف حتى نهم بالكلام، لدرجة أنه في بعض الأحيان يحلو الحديث، ونعود إلى الداخل لنكمل الحوار الملتهب.
أنا من بين الذين ينتقدون زيارة الباب، وبنفس الوقت من بين الذين يقومون بها، ولا أخفي عليكم بأنها تروق لي، فلا أعرف لماذا، ولكن أجمل الأحاديث وأكثرها فكاهة وأكثرها جدية أيضا، تأتي عند الباب وتحديدا عند انتهاء الزيارة.
هذه القصة لا تطال فقط الزيارات المنزلية، إنما تتعداها إلى المطاعم والأماكن العامة، وهنا أود الاعتذار من الذين حاولوا ترك المطعم الإيطالي الذي تناولت فيه العشاء مع صديقاتي أخيرا، بسبب عرقلة السير التي أحدثناها عند الباب، عند خروجنا من المطعم بعد عشاء دام أكثر من ثلاث ساعات.. ويبقى السؤال برأيكم لماذا؟