إيلي ليك وجوش روغين
TT

الجميع يتوقعون التفتيش في أي وقت وفي أي مكان.. إلا كيري

عندما يدلي جون كيري وزير الخارجية بشهادته خلال الأيام القليلة المقبلة أمام الكونغرس حول الاتفاق الذي تفاوض بشأنه مع إيران، هناك بعض التفسيرات التي يتعين عليه تقديمها.
يقع بعض زعماء الكونغرس تحت تأثير انطباع أنه في حين أن كيري كان يجري المحادثات في فيينا، كان يضغط في ذات الوقت على إيران لتسمح لمفتشي الأمم المتحدة بالتفتيش في أي وقت وأي مكان لفحص المواقع المشتبه في إجرائها للأنشطة النووية.
غير أن جانب كيري من القصة يختلف، حيث قال في برنامج «واجه الأمة» يوم الأحد الماضي: «بكل صراحة أنا لم أسمع عن هذا المصطلح طيلة سنوات التفاوض الأربع. لم يكن مطروحا على طاولة المفاوضات».
من المرجح لمثل تلك الكلمات أن تطارد كيري هذا الأسبوع حينما يشهد أمام الكونغرس. وليست تلك هي الطريقة التي وصف بها الآخرون في إدارة أوباما الاتفاق المبرم في أبريل (نيسان) الماضي. وقال مسؤولون كبار آخرون من الإدارة الأميركية إن الولايات المتحدة كانت تمارس الضغوط لإجراء ذلك التفتيش، والمعروف باسم عمليات التفتيش المفاجئة، التي لا تمنح إيران الوقت الكافي لإخفاء الأنشطة المثيرة للاشتباه.
وبمزيد من الأهمية، إذا كان كيري يعلم أنه لن تكون هناك عمليات للتفتيش في أي وقت وفي أي مكان، فلماذا ترك الكثير من أعضاء الكونغرس يعتقدون بإمكانية حدوث ذلك حال انعقاد المفاوضات مع إيران؟ بموجب شروط الاتفاق النهائي، يكون لدى إيران مهلة تقدر بـ24 يوما قبل اضطرارها السماح للمفتشين الدوليين بإجراء عمليات التفتيش المادية على المواقع المشتبه بها، وهو الشرط الذي لا يرقى إلى ما قاله أغلب النواب الديمقراطيين والجمهوريين بأنه شرط لازم وضروري لإبرام اتفاق جيد مع إيران.
وردا على سؤال حول تصريحات كيري الأخيرة، أخبرنا السيناتور بوب كوركر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ: «كدت أقسم إنه قال ذلك، ولكنني أعلم أنه كان موضوعًا للمناقشة لفترة طويلة للغاية». كما أخبرنا السيناتور ريتشارد بور، رئيس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ: «أعتقد أنني سمعت الوزير كيري يستخدم ذلك الاصطلاح ذات مرة. فأي منع للوصول، أو تأخير في الوقت، أو عرقلة للتحقق من الأنشطة يتعين أن تثير قلقنا ومخاوفنا».
ليس فقط الجمهوريون هم من يعتقدون بحتمية وجود عمليات التفتيش المفاجئة في الاتفاق النهائي. فالسيناتور تشاك شومر، الديمقراطي من ولاية نيويورك، وهو الزعيم القادم لحزبه في مجلس الشيوخ، أخبر الجماعات اليهودية بذلك في ربيع هذا العام. وصارت كلماته الآن مادة لإعلانات السوق السوداء المضادة للاتفاق مع إيران، حيث تنقل عن السيناتور دعوته لإبرام اتفاق يشتمل على «عمليات التفتيش المفاجئة، غير المعلن عنها، وفي أي مكان».
أما النائبة جانيس هان، وفي مدونة بتاريخ 2 يوليو (تموز) نشرت على صفحتها على «فيسبوك»، قالت أيضًا إنه لا بد للاتفاق أن يضمن عمليات التفتيش المفاجئة «في أي وقت وفي أي مكان». تمامًا كما صرح النائب آلان لوينثال في بيان صادر عنه بتاريخ 22 يونيو (حزيران).
لم يكن كافة النواب الجمهوريين واقعين تحت انطباع أن عمليات التفتيش المفاجئة كانت قيد المناقشة والتفاوض، حيث أخبرنا السيناتور كريس ميرفي، الديمقراطي من ولاية كونيتيكت، أنه يعتقد أن المحادثات حول ذلك النوع من التفتيش «كانت خيالاً منذ البداية» وأنه لم يسمع الوزير كيري أبدًا يقول بأننا ينبغي أن ننتظر إجراء عمليات التفتيش «غير المقيدة». وأضاف يقول: «لا ينبغي علينا انتظار أن الحكومة الإيرانية أو أي حكومة كانت ستسمح لنا بالتفتيش غير المشروط وغير المقيد على منشآتها العسكرية».
تقول الإدارة الأميركية الآن إن عدم وجود عمليات التفتيش المفاجئة أمر لا يهم، حيث تؤكد صحيفة الحقائق الصادرة عن البيت الأبيض بقولها «إن عمليات التفتيش في أي وقت وفي أي مكان غير ضرورية بفضل الاتفاق المبرم».
لم يكن ذلك هو الانطباع الذي تركته إدارة الرئيس أوباما خلال أبريل الماضي، بعد إعلان البيت الأبيض حصوله على إطار للاتفاق مع إيران. في ذلك الوقت، صرح بن رودس نائب مستشار الأمن القومي للقناة الثانية من التلفزيون الإسرائيلي بأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية سيكون لديها دخول فوري لأي موقع تريد تفتيشه داخل إيران. وفي الأسبوع الماضي، وصفت ويندي شيرمان وكيلة وزارة الخارجية للشؤون السياسية أي حديث ماض حول عمليات التفتيش المفاجئة في أي وقت وفي أي مكان بأنه «زهو خطابي بحت».
كذلك في أبريل الماضي، صرح إرنست مونيز وزير الطاقة الأميركي لصحافيي وكالة بلومبيرغ الإخبارية بأنه كجزء من الاتفاق الإيراني على ما يُعرف بالبروتوكول الإضافي، فإنه حسب نظام من عمليات التفتيش التطفلية الذي تخلت عنه إيران منذ أكثر من عشر سنوات مضت: «فإننا نتوقع الحصول على عمليات التفتيش المفاجئة في أي وقت وفي أي مكان من حيث كونها عملية واضحة المعالم ذات وقت محدد ومعلوم للوصول إلى المواقع المشتبه في إجرائها للأنشطة غير المصرح بها».
وقال مونيز في مقابلة شخصية أجريت يوم الأحد إن معيار الـ24 يومًا كان متسقًا مع ملاحظاته من شهر أبريل. كما توقع حدوث ارتباك لدى منتقدي الاتفاق ما بين الوصول إلى المنشآت النووية الإيرانية المعلن عنها (التي يجري مراقبتها عن كثب) والمنشآت التي قد تخفيها إيران عن المفتشين الدوليين. بالإضافة إلى ذلك، يشدد مونيز على أن فترة 24 يومًا ليست كافية لإخفاء آثار المواد المشعة من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
غير أن الخبراء الآخرين لا يوافقون على ذلك الطرح. وأكثر من ذلك، فقد تعهد أوباما نفسه ذات مرة بأن الاتفاق مع إيران واجب النفاذ نظرًا لمقدرة الولايات المتحدة على الاكتشاف السريع ومعاقبة أي حالة من الغش قد تنشأ.
أخبرنا ديفيد البرايت، وهو من مفتشي الأسلحة السابقين ويعمل حاليًا مديرًا لمعهد العلوم والأمن الدولي، بأنه لا يعتقد أن مونيز كان يقصد في أبريل أن إيران سوف يتاح لها فترة 24 يومًا للإشعار المسبق.
وأضاف: «يستغرق الأمر وقتًا بطبيعة الحال من المفتش حتى يتمكن من الدخول للموقع. إننا نتحدث عن فترة تبلغ يومًا أو ما شابه، وليس ثلاثة أسابيع. إن التفسير المعقول لما صرح به مونيز في أبريل (نيسان) سوف يكون في غضون بضعة أيام، وليس 24 يومًا كاملة كما بدا في الاتفاق النهائي».
يعيدنا كل ذلك مجددًا إلى تأكيدات كيري بأنه لم يسمع قط عن عمليات التفتيش المفاجئة في أي وقت وفي أي مكان حينما كان يتفاوض حول الاتفاق. ومن الممكن أن يصدر عن كيري تفسير لتصريحاته يوم الأحد. ولكن إذا لم يكن ذلك كافيًا لإقناع الكونغرس بأنه ينطق بالحقيقة كاملة حول عمليات التفتيش، فسوف يتساءل المشرعون حول ما الذي يخفيه عنهم كذلك حول الاتفاق الإيراني.

* بالاتفاق مع {بلومبيرغ}