الشرق الأوسط
TT

السعودية في شبه القارة الهندية

زيارة ولي العهد السعودي الأمير سلمان بن عبد العزيز الحالية لباكستان، في جولة آسيوية تشمل الهند واليابان والمالديف، شديدة الأهمية، للسعودية، ولهذه الدول، ولفكرة الاستقرار وتعزيز النماء الاقتصادي.
ولي العهد السعودي في ضيافة الباكستان الآن، في زيارة احتفلت بها هذه الدولة المسلمة، حكومة وشعبا، وعوّلت عليها الكثير، بالنظر إلى خصوصية العلاقة بين هذه الجمهورية، منذ لحظة ولادتها مستقلة عن الفضاء الهندي سنة 1947، إلى هذه اللحظة.
يكنّ الباكستانيون مشاعر خاصة للسعودية كونها قبلة المسلمين، وكونها أيضا الحليفة الأوفى للباكستان في كل أزماتها. غير أن العلاقة بين البلدين المسلمين الكبيرين لا تقتصر على الجانب التاريخي والنفسي، فثمة روابط مادية حقيقية تتجسد في التعاون الأمني والعسكري والسياسي، فباكستان تعد الحليف الأوثق في دائرة دول العالم الإسلامي بالنسبة للسعودية.
هذا لا يعني أن العلاقة سهلة في كل صورها ومحطاتها، فهذا البلد الآسيوي المهم مرّ بلحظات عصيبة وفترات من الاضطراب السياسي والأمني، قبل وبعد 11 سبتمبر (أيلول) 2001. لكن في اللحظة الحالية البلد يشهد استقرارا سياسيا بوجود رئيس الحكومة نواز شريف، الذي فاز وحزبه بالانتخابات الأخيرة، وتماسك مؤسسة الجيش، الركن الركين في البناء الباكستاني.
للسعودية ميزة خاصة في العلاقة مع باكستان، وهي أنها يمكن أن تكون الطرف الوحيد الذي ينهي، أو يضبط، التوتر في العلاقات بين الهند وباكستان. على خلفية صراع تاريخي معقد بدأ من لحظة الاستقلال عن الهند البريطانية، وما زال، ويتجلى في ملفات إقليمية كثيرة منها أفغانستان وبنغلاديش، وغيرهما من دول الفضاء الهندي الآسيوي.
للسعودية علاقات اقتصادية حيوية مع الهند من خلال اعتماد الهند في جزء كبير من وارداتها البترولية على إنتاج السعودية، لأنها تحصل على أكثر من 30 في المائة من حاجاتها البترولية من المملكة، وتصل كميات ما تصدره المملكة للهند إلى نحو 500 ألف برميل يوميا. وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في عام 2009 نحو 103 مليارات ريال مرتفعا بنسبة 600 في المائة عما كان عليه في عام 2000.
كما أن الهند عملاق اقتصادي جديد في العالم، سيترجم هذه القوة على شكل سياسات وعلاقات بالعالم أجمع، والهند بتكوينها السكاني الدقيق والمعقد والغني، بحاجة ماسة لضمان الاستقرار والسلام، وهذا جوهر السياسة السعودية، التي يهمها تجذير الاستقرار إقليميا من أجل تعزيز اقتصادها وكف شرور الإرهاب والحروب.
من هنا تصبح العلاقة السعودية الهندية ذات أثر عميق وخاص، لا بين البلدين فقط، بل للباكستان نفسها بما يطمئن مخاوفها ويضمن سلامها.
خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز، كان قد زار الهند وهو ولي للعهد سنة 1998 ثم كانت الهند من أولى المحطات الخارجية له بعد توليه قيادة البلاد، وقد تنبّه من ذلك الوقت لخصوصية الدور السعودي بين الهند وباكستان وأيّد دخول الهند لمنظمة التعاون الإسلامي، بصفة مراقب، مثل روسيا. وعبر عن أمله بتخفيف التوتر بين البلدين، من أجل مصلحتهما، وشعبيهما.
السعودية تملك من المزايا الاقتصادية والسياسية والتاريخية، مع الهند وباكستان، ما تتفرد به بين دول العالم كلها، وترجمة هذه المزايا إلى مشاريع دائمة، هو ما سيعمق هذه المصالح بين البلدان الثلاثة، السعودية والهند والباكستان. من جل ذلك كانت زيارة ولي العهد الأمير سلمان لهذه البلدان.