علي العميم
صحافي ومثقف سعودي بدأ عمله الصحافي في مجلة «اليمامة» السعودية، كتب في جريدة «الرياض» وكتب في جريدة «عكاظ» السعوديتين، ثم عمل محرراً ثقافياً في جريدة «الشرق الأوسط»، ومحرراً صحافياً في مجلة «المجلة» وكتب زاوية أسبوعية فيها. له عدة مؤلفات منها «العلمانية والممانعة الاسلامية: محاورات في النهضة والحداثة»، و«شيء من النقد، شيء من التاريخ: آراء في الحداثة والصحوة في الليبرالية واليسار»، و«عبد الله النفيسي: الرجل، الفكرة التقلبات: سيرة غير تبجيلية». له دراسة عنوانها «المستشرق ورجل المخابرات البريطاني ج. هيوارث – دن: صلة مريبة بالإخوان المسلمين وحسن البنا وسيد قطب»، نشرها مقدمة لترجمة كتاب «الاتجاهات الدينية والسياسية في مصر الحديثة» لجيميس هيوارث – دن مع التعليق عليه.
TT

شهوة «الاحتساب» الفضائحي في ذكريات الطنطاوي

الشيخ علي الطنطاوي حين نشر الجزء السابع من ذكرياته في كتاب، كان قد عدّل في صياغة ما قصه من خبر عن العقاد ومجلسه في يوم الجمعة، استجابة لتمني إسلاميين عليه أن يحذف هذا الخبر. لكن استجابته كانت استجابة نصفية لا كاملة. فصاغ الخبر بطريقة غير مباشرة، كما رأيتم في الاقتباس الذي أوردته في المقال الماضي.
وقد تمنى إسلاميون عليه ذلك؛ لأن الكتاب الإسلاميين عامة –بصرف النظر عن طعونات الإسلامي الإخواني غازي التوبة في إسلاميات العقاد– ما زالوا في تنظيراتهم يتكئون على كتب العقاد الإسلامية السجالية، في الدفاع عن الإسلام وعن حضارته وتاريخه إزاء كتابات المستشرقين، ويتكئون عليها في موضوعات أخرى في المفاضلة بين الإسلام والحضارة الغربية، منها موضوع المرأة وموضوع الإنسان، ويحتجون بآرائه في نقد الماركسية. وهذا الاتكاء وهذا الاحتجاج هو ما أراد غازي التوبة قطع دابره عند الكتاب الإسلاميين!
قلت في المقال الماضي: وفي طعن غازي التوبة بإسلاميات العقاد، لم يتعرض قط للطعن في مسلكه الديني.
وأعترف بأني قلت هذا استناداً إلى إعادة مطالعة عجلى في دراسته عن العقاد، مما أوقعني في خطأ جسيم. ومن الواجب عليَّ أن أصححه بعد الاعتراف بالخطأ، والاعتراف بجسامتهما، وقبلهما الاعتراف بسبب ذلك.
غازي التوبة في كتابه «الفكر الإسلامي المعاصر: دراسة وتقويم»، صنّف طه حسين وعباس محمود العقاد بأنهما ممثلان للمدرسة التاريخية، وصنف قبلهما محمد عبده ومالك بن نبي بأنهما ممثلان للمدرسة الإصلاحية، وصنف بعدهما تقي الدين النبهاني وحسن البنا بأنهما ممثلان للمدرسة التربوية.
هذه الشخصيات عنده هي شخصيات متهمة في اتجاهاتها ومطعون في فكرها، ما عدا شخصية حسن البنا الذي كتب عنه وعن جماعة «الإخوان المسلمين» في كتابه؛ لا دراسة؛ بل «منشوراً» إعلانياً ودعائياً!
في الصفحات الأخيرة من دراسته عن العقاد، وضع المدرسة التاريخية –التي يمثلها في رأيه طه حسين والعقاد– في الميزان، فاتهمها بأربعة اتهامات. وهذه الاتهامات الأربعة هي بمثابة ملحوظاته الختامية في دراستيه عن طه حسين والعقاد. وهي في نظره -كما قدمها- ملحوظات منهجية وأكاديمية!
اتهمهما بأنهما يمثلان مدرسة سكونية، ومدرسة غير ملتزمة، ومدرسة أخذت الدين وراثة وليس عن إيمان به، ومدرسة تشويهية تحريفية.
في الاتهام الثاني، قال: «لا تلتزم المدرسة التاريخية بالدين الإسلامي على المستوى الفردي أو الجماعي. وهي تخفض الدين –من خلال عدم الالتزام– إلى مستوى الفلسفات النظرية».
وقال في الاتهام الثاني تحت عنوان «الدين وراثة»: «لم يتناول أصحاب المدرسة التاريخية التاريخ الإسلامي عن إيمان به، أو بالإسلام. وإنما جاء تناولهم له من كونهم أناساً ولدوا في هذه البيئة، فوجدوا جوامع ومصلين، وبالتالي وجدوا إسلاماً فورثوه كما ورثوا اللغة العربية من بيئتهم. وإلا فأين الإسلام؟ وأين رؤياه في كتبهم؟»!
الاتهام الأول والاتهام الثاني قال ما يشبههما بعد نحو ثلاثة عشر عاماً، أنور الجندي على لسان محمد محمد حسين، في حواره المزور معه في مجلة «الأمة» الإسلامية الصادرة في قطر. فقد قال في هذا الحوار المزور على لسانه: «قاعدة أساسية ينبغي أن توضع في الحسبان، حين يوزن الأدباء والمفكرون من وجهة النظر الإسلامية، وهي إن الإسلام نظرية في السلوك بما مثل أنه نظرية في المعرفة، ولذلك كان من المهم ألا يقبل فكر إسلامي أو أدب إسلامي من مفكر أو أديب لا يمارس الإسلام ولا يلتزم به، ومعروف أن طه حسين والعقاد لم يكونا ممارسين للإسلام في أصوله الأصلية».
في الجزء الأول من ذكريات علي الطنطاوي، الصادر عام 1985، في كتاب، والذي كان منشوراً في مجلة «المسلمون» قبل توقفها عن الصدور في 27/8/1982، كان مما قاله عن أول ليلة باتها في منزل محب الدين الخطيب بالقاهرة عام 1928: «وجعلت أتقلّب على الفراش، حتى سمعت أو خُيِّل إليَّ أني سمعت أذان الفجر، فقمت لأتوضأ وتحققت من دخول الوقت، فصليت وعدت أحاول النوم، وما قام للصلاة أحد ممن كان في الدار، وكان ذلك ثاني ما أدهشني».
إنه هنا يعرِّض بخاله المثقف الإسلامي السلفي، وبأهل بيته تعريضاً دينياً غير كريم، بأنهم لا يؤدون صلاة الفجر في وقتها!
ومحب الدين الخطيب، بالإضافة إلى كونه خاله، كان –كما قال هو في ذكرياته– أستاذه وأخاه الأكبر. وفوق ذلك في هذه الزيارة التي كانت زيارته الأولى إلى مصر (حفيده مجاهد ديرانية، يقول إنها كانت عام 1926 لا عام 1928) وفي زيارته الثانية إليها عام 1928، وفي زيارته الثالثة عام 1945، وفي زيارته الرابعة عام 1947 التي اصطحب فيها أسرته، ومعه أخوه عبد الغني وأسرته، كان يسكن في منزل خاله محب الدين الخطيب، ولا يكتري داراً أو يحل بنزل أو فندق بأجرة مالية. وقد سكن مجاناً في منزله بمنطقة باب الخلق بحي الدرب الأحمر، وفي منزله الذي انتقل إليه بمنيل الروضة، في هذه الزيارات الأربع ما يقرب من ثلاث سنوات. وكان يتناول وجبة الإفطار ووجبتَي الغداء والعشاء مجاناً في كل هذه الزيارات. وكذلك كان حال أسرته لما اصطحبها معه، وكان حال أخيه وأسرته.
المستفاد مما نقلته عن الطنطاوي في المقال الماضي، أن العقاد والحاضرين إلى ندوته الأسبوعية يوم الجمعة يستمرون في إقامتها من دون إيقافها لأداء صلاة الجمعة، خبر أذاعه شيخ وأديب وكاتب إسلامي معتبر ومرموق في جريدة «الشرق الأوسط» في منتصف الثمانينات الميلادية. وعرف به الذي قرأ الجزء السابع من ذكرياته الصادر عام 1989.
هذا الخبر تاريخه أقدم من إذاعة الشيخ علي الطنطاوي له، لأول مرة في جريدة «الشرق الأوسط»، وأقدم من صدور كتاب أنيس منصور «في صالون العقاد كانت لنا أيام». كما هو تاريخه عند الإسلاميين، وهذا ما سنأتي عليه في الحديث في مقال قادم.
القسم الثاني من الفئة المنشغلة بنفي أداء العقاد صلاة الجمعة، تحدد الوقت على لسان أنيس منصور -تزويراً- بأنه صباح يوم الجمعة!
الفرق بين خبر أنيس منصور وخبر الشيخ علي الطنطاوي، أن الأول أراد بخبره التأريخ لندوة أستاذه العقاد، وأن الثاني توخّي التشهير الديني بالعقاد، ليطعن في إسلامه بأنه رآه ورأى أهل مجلسه لم يكترثوا بأداء صلاة الجمعة، وليطعن في كتبه الإسلامية بأنها إسلامية بالقول لا بالفعل والممارسة. وأنه كتبها ليرضي الناس المتدينين، لا ليرضي الله!
تعريضه الديني بخاله وبأهل بيته ليس لأنه يضمر لخاله محب الدين الخطيب «ضغينة رافعية» في صدره، كما هو حاله مع العقاد عدو الرافعي، وإنما استجابة لشهوة «الاحتساب» العلني الفضائحي. وهو ما نجد له صوراً أخرى في ذكرياته غير قعود العقاد وجلسائه في ندوته الأسبوعية عن صلاة الجمعة، وقبلها تفضيل خاله وأهل بيته النوم على أداء صلاة الفجر في وقتها.
إن أنيس منصور في كتابه «في صالون العقاد كانت لنا أيام»، أخبرنا أن الندوة تعقد يوم الجمعة، وحدد ساعة نهايتها، ولم يحدد ساعة بدايتها. وقد تعّمد ألا يحدد ساعة بدايتها؛ لأنه كتب كتابه في ظل خَطب جديد غشى مصر، وهو ارتفاع منسوب مياه الصحوة الدينية فيها، والذي كان حينها يهدد بغمر أهلها، وعلو مكبرات التكفير في هذا البلد. في حين أن الشيخ علي الطنطاوي أتى بعده فحدد حتى في الصياغة المعدلة، بطريقة غير مباشرة، ساعة بداية مجلس العقاد الأسبوعي بصدر يوم الجمعة. وصدر يوم الجمعة هو صباحه.
ومع أن أنيس منصور لم يحدد ساعة بداية ندوة العقاد يوم الجمعة، فإن القسم الأول من تلك الفئة الذين يقولون مع عبد اللطيف عبد الحليم (أبو همام) بأنه يفض الندوة قبيل صلاة الجمعة، يحمّلونه مسؤولية وزر الخبر. وفي مقابل ذلك يصمتون عن خبر الشيخ علي الطنطاوي، لا صمت الذي لا يحسن الكلام؛ بل صمت المتستِّر والمضلِّل؛ لأن الطنطاوي شيخ دين وليس –كما هو أنيس منصور- شيخاً في الكتابة الصحافية. وزيادة على ذلك هو كاتب ومؤلف ليبرالي.
وعبد اللطيف عبد الحليم (أبو همّام) الذي يستند هؤلاء إلى شهادته في إثبات أن العقاد يصلي صلاة الجمعة في المسجد، ما كان أغناه عن هذا الإثبات، وكان عليه أن يكتفي بقوله: «إن هذا سلوك شخصي بين الإنسان وربه، ولا يؤخذ العقاد إلا بفكره، وعلاقته بالله وفرائضه لا نسأله عنها، وإلا أخذنا دور الخالق!».
ففي هذا القول رد كافٍ حول قضية العقاد وصلاة الجمعة. وكان يجب عليه ألا يقول قبل هذا القول: «ويعرف من اتصل بالعقاد أن ندوته تنفض قبل الصلاة بوقت كافٍ»؛ لأن هذا القول أضعف القول الذي تلاه؛ بل ألغاه، إذ ما حاجته بعد قوله هذا للتذكير بأن أداء العبادات سلوك شخصي بين الإنسان وربه... إلخ. وألغاه أيضاً بما قاله في المقتبس الثاني (راجع المقال الماضي)، والذي اشتط فيه بسبب حماسه التعصبي في الدفاع عن العقاد، فرأى أن الذين يؤدون صلاة الجمعة في المسجد –وهو منهم كما نص على ذلك في المقابلة التلفزيونية– من «الدراويش» و«المجاذيب»!
ومع ما في شهادة عبد اللطيف عبد الحليم من عوار؛ فإنه من السهل ردها بشهادة أخرى لزميل له في التدريس بكلية دار العلوم، يكبره في السن بما يقل عن أربع سنوات بشهر ونصف شهر. وتعرّف على العقاد مثله بمناسبة إلقائه قصيدة مدح له في ندوته الأسبوعية. وهو مثله أيضاً ألقاها حين كان طالباً في المعهد الأزهري النموذجي.
زميله في التدريس هو محمد حماسة عبد اللطيف.
يقول محمد حماسة عبد اللطيف في سلسلة مقالاته: «رحلتي مع الشعر– الجزء الرابع»: «في الشهور الأولى من السنة الرابعة الثانوية، دعانا السيد أحمد صقر (السيد اسمه واسم أبيه أحمد. فالسيد ليس لقباً شريفياً ولا لقباً تكريمياً له، وهو لغوي ومحقق) نحن الثلاثة (الآخران هما: أحمد درويش، وحامد طاهر)، وطلب إلينا أن يعد كل واحد منا قصيدة في مدح الأستاذ العقاد، لكي نزوره ونلقي عليه شعرنا في مدحه والثناء عليه.
وبعد أن انتهينا من قصائدنا أبلغنا أستاذنا السيد أحمد صقر، فحدد لنا يوم الجمعة؛ إذ كانت ندوة العقاد تبدأ في الحادية عشرة من صباح يوم الجمعة كل أسبوع... وحدد لنا المكان الذي ننتظره فيه في ميدان روكسي بمصر الجديدة، وذهبنا إلى المكان المحدد، وانتظرنا أستاذنا وقتاً طويلاً، فقررنا الذهاب إلى بيت العقاد من دونه، وذهبنا... وحضر أستاذنا بعد أن فرغنا من إلقاء قصائدنا، وعرفنا بعد أنه تأخر لصلاة الجمعة... خرجنا من بيت العقاد قرب العصر، ونحن نكاد نطير من النشوة والسرور، فقال أستاذنا: سنذهب الآن إلى زيارة شخصية أخرى مهمة لا تقل عن العقاد أهمية، وسألنا: من؟ فقال الأستاذ محمود شاكر. ولم نكن نعرف عنه حتى ذلك اليوم شيئاً، وذهبنا معه طائعين. وفي بيت الأستاذ شاكر وجدنا جمعاً أقل عدداً... والمضحك في هذا اليوم أن أستاذنا السيد صقر طلب منا بعد أن ذهبنا إلى بيت الأستاذ شاكر أن نخلو إلى أنفسنا في (الفرندة) ونكتب تحية بالشعر للأستاذ شاكر. واستجبنا وحاولنا، وكتب كل منا أبياتاً في غاية الغثاثة والرداءة... عندما أُذِّن لصلاة المغرب هب جميع الحاضرين للصلاة، وأَمّهم صاحب البيت محمود شاكر. وبعد الصلاة استنشده الحاضرون قصيدته الفريدة...».
فبحسب رواية محمد حماسة عبد اللطيف، تبدأ ندوة العقاد مع دنو وقت إقامة صلاة الجمعة في المساجد، وذلك في الساعة الحادية عشرة صباحاً، وليس في الساعة التاسعة إلا ربع صباحاً كما قال عبد اللطيف عبد الحليم في المقابلة التلفزيونية. وأن ندوة العقاد التي حضرها مع زملائه أحمد درويش وحامد طاهر وأستاذهم السيد أحمد صقر، انتهت قرب العصر، وليس في الساعة الثانية، كما هي ساعة نهايتها التي حددها أنيس منصور. وربما أنه في ذلك اليوم أخر موعد نهايتها إلى قرب العصر، وأنه يفعل ذلك بعض الأحيان.
أهمية رواية محمد حماسة عبد اللطيف أنه لم يكن في وارد نفي أن العقاد وجلساءه يؤدون صلاة الجمعة في المسجد، أو إثبات هذا الأمر. ولأنه لم يكن في هذا الوارد أشار ضمناً إلى أنه وصاحبيه في ذلك اليوم لم يصليا صلاة الجمعة في «مسجد عثمان بن عفان القريب من دارة العقاد».
في هذه الرواية، ضرب لهم أستاذهم موعداً في مكان في ميدان روكسي بمصر الجديدة، في وقت أبكر من الساعة الحادية عشرة صباحاً لينتظروه فيه. انتظروه وقتاً طويلاً، ولما قربت ساعة بداية الندوة ذهبوا إلى بيت العقاد من دونه. ثم عرفوا لاحقاً في بيت العقاد أنه تأخر لصلاة الجمعة.
وفي اعتقادي أن هذا السبب لتأخره كان سبباً عارضاً. فهو ذهب إليهم راجلاً لإنفاذ الموعد الذي اتفق معهم عليه، فلقيه في الطريق أحد معارفه أو أصدقائه، فظن أنه ذاهب مثله إلى الجامع لصلاة الجمعة. فأُحرج وصحب هذا الرجل إلى صلاة الجمعة.
وهذا السبب الذي أقول به لم يستحسن تلميذه أن يصرّح به، أو أنه رآه تفصيلاً صغيراً لا يستحق الذكر.
إن رواية عبد اللطيف عبد الحليم رواية غير متماسكة. فهو حدد بداية الندوة بالساعة التاسعة إلا ربع صباحاً، وحدد نهايتها بالساعة الحادية عشرة صباحاً. والناس عادة يوم الجمعة لا يستيقظون في وقت مبكر كما يفعلون ذلك في بقية أيام الأسبوع، أيام مزاولتهم لأعمالهم. والذي من عادته الاستيقاظ المبكر سيستغنم الساعة السابعة أو الثامنة أو التاسعة صباحاً لقضاء حوائج بيته من السوق. وساعتان وربع الساعة هو وقت محاضرة طويلة يعقبها نقاش موسع من جمهورها، وليس وقتاً كافياً لندوة ثقافية مفتوحة يتخللها إمتاع ومؤانسة. كما أن الحضور إلى الندوة ليس شرطاً ألا يتأخر قليلاً أو كثيراً عن الساعة التاسعة إلا الربع صباحاً. إن وقت الحضور إليها ليس كمثل حضور الطالب إلى طابوره الصباحي، فوقت الحضور إليها مفتوح، كل حسب ظرفه اليومي. وهم ينصرفون من الندوة جميعاً في وقت واحد؛ لكن الحضور إليها ليس كذلك.
يعتقد الذين يأخذون بشهادة عبد اللطيف عبد الحليم أن شهادته لا تُرَد؛ لأنه من تلاميذ العقاد، وأنه كان –كما يقول– من رواد مجلسه الأسبوعي لمدة أربع سنوات قبل وفاته. ولأنه قال في شهادته التلفزيونية: «أقسم بالله غير حانث أن العقاد لا يعقد ندوته وقت صلاة الجمعة».
وهذا اعتقاد خاطئ. فعبد اللطيف عبد الحليم عقّادي متعصب. وتعصبه للعقاد يضاهي تعصب العقاديين السابقين الذين كتبوا عنه، كسيد قطب، وعبد الحي دياب، ومحمد طاهر الجبلاوي، والعوضي الوكيل، ممن خالطوه ردحاً من الزمن. ونظراً إلى أنه من تلامذة العقاد، علاوة على أنه متعصب له، تصبح شهادته مطعوناً بها مرتين.
أما القسم بالله، فهو حجة عند الدراويش من الناس، وليس حجة عند المؤرخين في صدق الحديث وفي إثبات الواقعة أو نفيها. وللحديث بقية.