جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

عين الحسود فيها عود «إلكتروني»

«لا تنشري صورك أثناء السفر.. انشريها بعد عودتك» عبارة ترددت على مسمعي عدة مرات، ليس فقط أثناء رحلتي الأخيرة إلى بالي في إندونيسيا، إنما في جميع الرحلات التي أقوم بها.
سألت وتعجبت من الإجابة، لأن التحذير كان بداعي الخوف علي من العين عبر المحيطات والبحار وخوفا من الغيرة الإلكترونية التي لم أكن أعي بأنها موجودة أصلا على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى رأسها «فيسبوك».
وهذا ما جعلني أكتفي بنشر بعض الصور التي تمتّ لعملي بصلة على موقع «إنستغرام»، واحتفظت بباقي الصور إلى أن رجعت من رحلتي، والغريب في الأمر هو استسلامي لمسلمات الغيرة الإلكترونية، مما جعلني أفكر في مدى تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على حياتنا وتقاليدنا وعاداتنا وحتى اعتقاداتنا.
فهل يعقل أن الغيرة هي الأخرى أصبحت إلكترونية؟ وهل يعقل أن «أصدقاءك» على «فيسبوك» يؤمنون بهذه النظرية؟ لا أدري.. يبدو أن الأمر هو كذلك، لأن كثيرين من المدمنين على استعمال ونشر صورهم على الموقع المذكور يظنون بأن سفراتهم ووجودهم في أماكن جميلة قد يؤدي إلى «صيبة عين» على طريقة «الميموري ستيك». ولكن وفي نفس الوقت هناك نسبة من المحصنين من العين الذين يبالغون في إعلامنا بأماكن وجودهم فنراهم تارة دخلوا السوبرماركت للتو، أو المطعم، أو المقهى أو.. ودائما أتساءل لماذا؟ ما الذي سأكتسبه إذا عرفت بأن هذا الشخص يتناول القهوة في مقهى «فلان» (هذا ليس اسم المقهى). لكن، وفي الوقت نفسه لا يحق لي أن أنتقد هذه الفئة، وأنا هنا أتكلم عن نفسي، وكل ما أعرفه هو أن نيتي صافية، فأنا عندما التقط الصور أثناء سفري أفكر في عملي لأني أكتب عن السياحة وفي كل مرة التقط صورة لطبق من المأكولات اللذيذة أقلق على نفسي من الدراسة التي نشرت أخيرا ومفادها أن هؤلاء الذين يصورون أكلهم هم مرضى نفسيون. ولكن أنا – ليس دفاعا عن ذاتي - أكتب عن الطعام أيضا، وبالتالي يجب عليّ الاحتفاظ بصور الأطباق التي تناولتها لأني استعملها هي الأخرى في دائرة العمل.
«فيسبوك» أصبح أسلوب عيش وليس مجرد موقع تواصل، فتطبق فيه بعض القواعد والواجبات الاجتماعية، ولكن الغيرة و«صيبة العين عبر الشبكة العنكبوتية» لم أكن أسمع بها، ولهذا السبب لم أنشر صوري في بالي إلا عندما وطأت قدمي أرض لندن. مع العلم بأني نشرت الصور على موقع «إنستغرام»، لأنه - على ما يبدو - لم تصل إليه الغيرة الإلكترونية بعد، على الأقل هذا ما سمعته.
المهم هو أني رجعت بالسلامة على أمل أن أنشر صورا جديدة لأشارك فيها أصدقائي الحقيقيين الخالين من الغيرة الأرضية والجوية وعبر الأثير. فكل تصرف يعكس شخصية صاحبه، وهذا الأمر ينطبق أيضا على طريقة عرض الصور والتبجح، ولكن إذا كانت النيات صافية فلا خوف من العين الحقيقية ولا حتى الافتراضية.