د. ثامر محمود العاني
أكاديمي وباحث عراقي شغل العديد من المناصب الإدارية والأكاديمية، بينها إدارة العلاقات الاقتصادية بجامعة الدول العربية. كما عمل محاضرا في مناهج الاقتصاد القياسي بجامعة بغداد ومعهد البحوث والدراسات العربية. يحلل في كتاباته مستجدات الاقتصاد السياسي الدولي.
TT

لماذا تراجع أداء القطاعات السلعية في الاقتصاد العراقي؟

تشير تقارير المنظمات الدولية إلى أن العراق يعدّ من بين الدول الأكثر فساداً في العالم؛ استناداً إلى تقرير منظمة الشفافية الدولية للعام 2021، والذي يشير إلى أن العراق يحتل المرتبة الـ157 من 178؛ إذ لا يزال الفساد السياسي سبباً لعرقلة التقدم نحو مكافحة الفساد والطريق نحو الديمقراطية، حيث سمح السلوك الإنساني الممنهج والمصالح الخاصة التي يتم تحقيقها بالتسبب في مزيد من الدمار والانتهاكات لحقوق الإنسان... وهنا، لا بد من إصلاح القضاء، في المقدمة باعتباره المرتكز الأساسي لإصلاح باقي مؤسسات الدولة؛ إذ إن الفساد واحد من أهم الأسباب التي أدت إلى تراجع أداء جميع القطاعات الاقتصادية، وفي مقدمتها القطاعات السلعية؛ إذ أدت عوامل اقتصادية وفنية وإدارية وغيرها إلى تراجع أداء القطاعات السلعية التي سنتناولها في هذه المقالة.
يقسّم التقرير الاقتصادي العربي الموحد القطاعات الاقتصادية إلى ثلاث مجاميع من القطاعات: أولاً، قطاعات الإنتاج السلعي وتشمل الزراعة والصيد والغابات، والصناعات الاستخراجية، والصناعات التحويلية، والتشييد، والكهرباء والغاز والماء. ثانياً، قطاعات الخدمات الإنتاجية، وتضم التجارة والمطاعم والفنادق، والنقل والمواصلات والتخزين، والتمويل والتأمين والمصارف. ثالثاً، قطاعات الخدمات الاجتماعية وتضم الإسكان والمرافق والخدمات الحكومية والخدمات الأخرى. نتناول في هذه المقالة أداء القطاعات السلعية في الاقتصاد العراقي؛ لأنها تشمل محور التنمية الاقتصادية في أي بلد، إضافة إلى أنها محور نهوض أي اقتصاد في العالم؛ إذ إن تجارب التنمية في العالم المتقدم أو النامي نهضت عندما ساهمت قطاعات الإنتاج السلعي بالنسبة الأكبر في توليد الناتج المحلي الإجمالي.
يساهم القطاع الزراعي في توليد الناتج المحلي الإجمالي العراقي بمقدار 4.3 في المائة، والصناعات التحويلية 2.7 في المائة، والتشييد 7.5 في المائة، والكهرباء والغاز والماء 3.7 في المائة، باستثناء القطاع السلعي للصناعات الاستخراجية (النفط والغاز) يساهم بمقدار 34.4 في المائة وهي النسبة الأكبر، إلا أنها تمثل الجانب الريعي في توليد الناتج، بمعنى تمثل الاقتصاد الريعي ولا تمثل صناعات ذات محتوى تكنولوجي عالٍ يفيد الاقتصاد العراقي من خلال الارتباطات الأمامية والخلفية للاقتصاد في ظل تطورات الثورة التكنولوجية الرابعة 4G؛ إذ بلغ الناتج المحلي الإجمالي للاقتصاد العراقي عام 2020 تقريباً 154.5 مليار دولار، وهذا الرقم لا يمثل حجم ووزن هذا الاقتصاد ذات الإمكانيات الاقتصادية الكبيرة وذات الموارد النفطية والبشرية الهائلة، ويمثل حجم الصادرات النفطية عام 2021 ما قيمته 57 مليار دولار، تمثل الصادرات النفطية 96 في المائة منها، والصادرات الأخرى 4 في المائة (وفقاً لإحصاءات وزارة المالية العراقية لعام 2022).
إن أسباب تراجع أداء قطاع الزراعة والصيد والغابات يعود إلى الفساد المستشري، بجانب أسباب مهمة جداً، لعل في مقدمتها ضعف استغلال الموارد الأرضية، محدودية الموارد المائية المتاحة (على الرغم من وجود الرافدين دجلة والفرات وروافدهما) وضعف استخدام التقنية الزراعية الحديثة في دولة ذات موارد زراعية كبيرة، وغيرها من الأسباب. كما انخفضت مساهمة الصناعات التحولية في توليد الناتج المحلي الإجمالي، وهذا سببه عدم توفر البنية الأساسية للقاعدة التكنولوجية اللازمة وضعف أداء ومستوى القوى العاملة والحاجة إلى نظام تعليمي حديث ومشجع للابتكار والإبداع، وسوق استهلاك مشجعة للاستثمار وعوامل تنافسية قوية للسلع المنتجة أو المساهمة في سلاسل الإنتاج العالمية للسلع. كما لا يفوتنا أن نذكر مساهمة قطاع التشييد الضعيفة في توليد الناتج المحلي، وهو القطاع المسؤول عن توفير البنية الأساسية للاقتصاد من الطرق والجسور والمنشآت الصناعية، بجانب توفير صناعات مواد البناء وحركة التشييد وتوفير السكن المناسب للمواطنين بمختلف مستوياتهم. هذه الأسباب وغيرها أدت إلى ضعف مساهمة القطاعات السلعية في الاقتصاد العراقي.
إن تنمية القدرات الإنتاجية تتم من خلال ثلاث عمليات مترابطة ومتواصلة، وهي تراكم رأس المال (الاستثمار)، والتقدم التكنولوجي، والتغير الهيكلي أو البنيوي. وتتمثل عملية تراكم رأس المال في الاحتفاظ بأرصدة من رأس المال الطبيعي والبشري والمادي وزيادتها من خلال عمليات الاستثمار أو التراكم الرأسمالي. وتحقيق التقدم التكنولوجي يتمثل في استحداث سلع وخدمات جديدة محل القديمة، وأيضا استخدام طرائق ومعدات أو مهارات جديدة أو محسنة من أجل إنتاج السلع والخدمات، واعتماد أشكال جديدة ومحسّنة لتنظيم الإنتاج من خلال الابتكار. والتغير الهيكلي يتمثل في التغير في تكوين الإنتاج ضمن القطاعات، ونمط الروابط ضمن القطاعات وفيما بينها، وأن هذا التغير كثيراً ما يحدث من خلال الاستثمار والابتكار والتقدم التكنولوجي، ولا يفوتنا أن نذكر هنا، أن هناكحاجة مماثلة إلى التركيز على طبيعة القطاع الخاص والمؤسسات التي يتم في إطارها تنظيم مشاريع القطاع الخاص.
ومن أجل النهوض بأداء القطاعات السلعية بشكل خاص والاقتصاد العراقي عموماً، لا بد من:
أولاً: العمل على تحسين مناخ الاستثمار، والذي يحتل فيه الجانب الأمني والقضائي ركن أساسي ومهم، على اعتبار أن إصلاح القضاء يمثل المرتكز الأساسي لإصلاح باقي مؤسسات الدولة، ودستور حديث ومتطور يواكب التطورات التي حصلت في العالم.
ثانياً: الاستفادة القصوى من الإيرادات النفطية لإعادة أعمار البنية التحتية للاقتصاد، والتعليم، والكهرباء، والماء، والصرف الصحي، والاتصالات والطرق والجسور، السكن المناسب للمواطنين البسطاء.
ثالثاً: العمل في إطار برنامج زمني محدد على استغلال الإيرادات النفطية لأغراض الاستثمار في الأنشطة التي تساهم مباشرة في التنويع الاقتصادي وتطوير الصادرات غير النفطية، وانتهاج سياسة انتقائية في دعم أو تحفيز الأنشطة التنموية وتوجيه الدعم والحوافز للأنشطة التي تساهم مباشرة في تحقيق هدف التنويع الاقتصادي، وجعل رفع الإنتاجية على رأس الأولويات الوطنية مع ضمان اتساق كل السياسات مع هذه الأولوية، وتوفير البيئة التي تخدم هذه التوجهات.
رابعاً: في إطار الإصلاح النقدي، لا بد من تحديد سعر صرف الدينار العراقي من خلال السعي إلى تقريب سعر الصرف من واقع السوق، وعلى البنك المركزي العراقي ممارسة «إدارة فاعلة» في حال حصول تقلبات واسعة في سعر الصرف.
خامساً: اتباع سياسة صارمة للغاية بشأن الميزانية، بحيث تحقق الأهداف المرجوة منها.
سادساً: قيام الحكومة بإجراءات صارمة لمكافحة الفساد، والتهرب الضريبي للشرائح الاجتماعية القادرة على دفعها.