حسين شبكشي
رجل أعمال سعودي، ومستشار اقتصادي لعدد من الشركات الخليجية الكبرى، وعضو مجلس إدارة ورئيس مجلس إدارة في عدد من الشركات السعودية والأجنبية. نشر العديد من المقالات في مجالات مختصة، وفي صحف ومجلات عامة في العالم العربي. اختير عام 1995 «أحد قادة الغد» من قبل «المنتدى الاقتصادي العالمي» في دافوس. أول رجل أعمال سعودي وخليجي ينضم إلى «منتدى أمير ويلز لقادة الأعمال».
TT

إعادة تشكيل المشهد السياسي!

أي متابع للشأن السياسي يدرك تماماً أن هناك تغييرات حادة في صراعات القوى حول العالم، وأن هناك تداعيات غير عادية متوقعه نتاج تلك التغييرات.
فالتغييرات التي انفجرت عقب اندلاع شرارة الحرب نتاج اجتياح روسيا لأوكرانيا وأدت وبشكل سريع جداً إلى تداعيات اقتصادية حادة وتكتلات سياسية بين الداعم لروسيا والمعارض لها.
وهناك من يتحرك بصورة استباقية قبل حصول عاصفة التغيير، وهناك من يجمد. ومع انعقاد اللقاءات والقمم والمباحثات لبلورة المواقف كان واضحاً جدية المشهد الحالي.
فمجموعة السبع الاقتصادية تعقد قمتها في بافاريا الألمانية وتعلن كما كان متوقعاً دعمها المتجدد لأوكرانيا في مواجهة روسيا، ولكنها فاجأت العالم بالإعلان عن تحديد مبلغ 600 مليار دولار لتحسين البنى التحتية حول العالم، خصوصاً في الدول الفقيرة، فيما اعتبر رداً صريحاً ومباشراً ومقابلاً لمبادرة الصين الاقتصادية المعروفة باسم «الحزام والطريق».
وعلاوة على ذلك، هناك بالطبع تحرك روسي مع دول مجموعة «بريكس» للبحث جدياً في إصدار عملة لدول «بريكس»، لتكون منافساً للدولار الأميركي تعتمد فيها على قيمة عملات الدول الأعضاء في «بريكس»، والمكونة من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
وفي ظل الحديث والتطورات المتصاعدة المتعلقة بإعادة إحياء الاتفاق النووي وحرص أوروبا، خصوصاً الولايات المتحدة، على تحقيق «أي إنجاز خارجي» لوقف سلسلة الإخفاقات في الداخل الأميركي، كانت جولة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر والأردن وتركيا للتنسيق في خصوص ملفات عدة تهم دول المنطقة.
أيضاً استقبلت السعودية رئيس الوزراء العراقي الذي قام بزيارة سريعة اتجه بعدها لإيران في محاولة جادة منه لإكمال الوساطة بين البلدين لإعادة الاجتماعات بينهما.
ويعد هذا الحراك الدبلوماسي السعودي الاستباقي الذكي نوعاً من «التمركز» قبل قمة جدة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ودول مجلس التعاون الخليجي، إضافة إلى مصر والأردن والعراق، لتقديم السعودية كالمحور الأساسي لصناعة القرار في منطقة الشرق الأوسط وعدم اقتصار هذا القرار على الشأن النفطي فقط.
هناك ملفات كثيرة سيتم التطرق إليها في قمة جدة المنتظرة، فالرئيس الأميركي يوجه جل اهتمامه إلى الشؤون الخارجية لإحراز أي نصر فيها مع انحسار شعبيته وتدهور المؤشرات الاقتصادية والارتفاع الكبير في مؤشر التضخم والهزيمة التاريخية التي أصابت الحزب الديمقراطي بعد أن ألغت المحكمة العليا حق الإجهاض الفيدرالي للمرأة.
ومن المتوقع أن يطلب بايدن من السعودية رفع معدلات إنتاجها النفطي أملاً منه في أن يؤدي ذلك إلى خفض الأسعار، ولكن السعودية بحاجة إلى ضمانات أمنية جادة وحقيقية من الولايات المتحدة، حتى لا يتكرر الاعتداء الإرهابي الأكبر على منشآتها النفطية، كما حصل في حقبة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب من دون دفاع أو رد من الولايات المتحدة، خصوصاً أن الاعتداء مس وهدد الاقتصاد الدولي.
وسيطرح بايدن خلال زيارته اقتراحات بشأن تحالفات جديدة وشراكات غير تقليدية سيتم وزنها وتقديرها جيداً لمعرفة الفرق بين منح الرئيس الأميركي جائزة تريحه سياسياً أو إبقاء بوصلة العلاقة في أطر المصالح المستدامة بغض النظر عن الأفراد.
وتحسباً لنصف العام المتبقي والمتوقع أن يكون ملتهباً وحاداً، خصوصاً مع تداعيات المشهد الاقتصادي في ظل الركود المتوقع والتضخم المستمر... ومع أزمة غذائية منتظرة غير مسبوقة في فداحة أثرها، تظهر هنا قيمة قراءة الموقف الكبير بشكل استباقي وهادئ من دون انفعال، وهذا ما نجحت فيه السعودية بامتياز في المشهد الحالي في ظل إعادة ترتيب السياسة في علاقات الدول.
مشهد انهيار الوضع الاقتصادي في سريلانكا وخروج رئيس الوزراء على الهواء أمام الشعب لإعلان ذلك الأمر، أصاب المحللين الاقتصاديين بحالة من الهلع، وأدركوا أنها لن تكون حالة استثنائية ورشحوا ستين دولة أخرى حول العالم لأن تلقى المصير نفسه، وهذا الذي يجعل التكلات السياسية والاقتصادية المقبلة مسألة في غاية الأهمية منعاً من حدوث أثر الفراشة أو تبعات سقوط حجارة الدومينو، وهذه مسألة لن تغيب عن قمة جدة.