د. عبد الجليل الساعدي
TT

أساطير غربية

يرى الإنكليز، أو هكذا تقول أساطيرُهم، أنَّ دخول الطائر الجميل أبي الحنَّاء لبيتٍ من البيوت يجلبُ الفألَ السيئَ، ويُخرب الديارَ ويحبط الآمال. ولكنْ من أين يتأتَّى لأبي الحناء أن يدخل بيتاً إنكليزياً فالبيوت مغلقة على الدوام، ولهذا لا يستطيع أبو الحناء الدخول إلا عبر بطاقات المعايدة، وخاصة في أعياد الميلاد ورأس السنة الميلادية.
ومبرّر هذا التناقض هو أنَّ هناك من الإنكليز من لا يعرفون شيئاً عن تراثهم وأساطيرهم، ولا يعلمون بأنَّ هذا الطائر الجميل أبا الحناء نذيرُ شؤم وفقاً لهذه الأساطير، ولكن ربَّما تحدياً لهذه الأساطير طُبعت صوره على هذه البطاقات.
كما أنَّ لجمال هذا الطائر تأثيراً بالغاً أهَّله لأن يكونَ محبّباً على هذه البطاقات. أمَّا الذين اختاروا لأبنائهم هذا الاسم (روبن) - وزير الخارجية البريطاني الراحل مسمى بهذا الاسم روبن كوك – والصعلوك الشهير في الفلكلور الإنكليزي روبن هود، والشاعر الإنكليزي روبن فلاور- فقد عمدوا في ذلك من وجهة نظري، إلى بيان أنَّ ما يقال عن الطائر روبن هو كلام لا صلة له بالحقيقة، فكيف يكون هذا الطائر الصغير الجميل نقيضاً للأمن والطمأنينة والخير؟! أو هو التسمّي بنقائض الفضائل، بغية نشدانِ الفضائل كما فعلَ العربُ قديماً. فقد كانوا يطلقون لفظ «القافلة» على أية رحلة تجارية، تيمُّناً برجوعها وعودتها، وما هي بقافلة بل ذاهبة. وكانوا يطلقون على الصحراء لفظ المفازة من الفوز والظفر، وما هي كذلك، بل هي مَهلكة على الأقل آنذاك. وكانوا يطلقون على الأعمى بصيراً، وعلى النار العافية، وعلى اللديغ السليم، وهلمَّ جراً.
والطائر أبو الحنَّاء الذي يسميه الإنكليز روبن هو طائر صغير ذو صدر أحمر ضارب إلى الصفرة، ويكثر هذا النوع من الطيور في البلاد العربية. واستعمال الفعل يكثر هنا له دلالة، وربما يبرر الخرافة الإنكليزية ويؤيدها حول هذا الطائر. وإلا فما العلاقة بين كثرة هذا النوع من الطيور واصطيادها في البلاد العربية من جهة، وبين هذا التخلّف المرعب في كثير من بلدانها في كل مجالات الحياة؟!
والواقع أنَّ الخرافة الإنكليزية حول هذا الطائر تستند إلى مرجع أسطوري آخر هو الأسطورة الإغريقية القديمة عن بروميثيوس «الذي سرق النارَ من السماء وعلَّم البشر استعمالَها». ولا أعلم بالضبط كيف أُقحمَ هذا الطائرُ الصغيرُ المسكين في هذا المأزق الناري المعقَّد، لكن هكذا يقولون: فالطائر أبو الحناء له ضلعٌ في هذا الموضوع، ولا يعفيه من ذلك صغرُ حجمِه.
والرمزية المسيحية القديمة تنبئنا هي الأخرى عن محاولة الطائر أبي الحناء نزع «إكليل الزعرور» من على رأس السيد المسيح وهو مُساق إلى الصلب، فأصبح يُشار إليه على أنَّه ملطَّخٌ بدم المسيح بشكلٍ أبدي. وتقول الأسطورة إنَّ رقبةَ هذا الطائر الحمراء، كانت نتاجَ الدمِ المهراق من السيد المسيح. فربطوا رؤية هذا الطائر بآلام المسيح.
وأهل دوفن في إنكلترا لهم فلكلورهم الذي يقول: إنَّ قتلَ أبي الحناء أو طائر الصعو، لن يجعل حياةَ الرجل أو الشاب مزدهرة أبداً.
كما أنَّ الجيل القديم مازال يرى في هذا الطائر نقيضاً للنجاح والتقدم، فقد سُئل مرة تيد إدجار عن أنَّ أداءَه في أحد المواسم لم يكن طيباً فأجاب: يبدو أنني رميت طيراً من الطيور المسماة روبن.
مسكين أبو الحناء.. لكم أحببت أن يكلّمنا هذا الطائر الصغير النشط الجميل، ليبعد عن نفسه هذه الشبهات والتقولات، وليدافع عن نفسه أمام اتهامات لا أساس لها.