إنعام كجه جي
صحافية وروائية عراقية تقيم في باريس.
TT

شيرين

حين رأيتها، بشعرها القصير، تغني في حفل افتتاح برنامج «الدوم» قبل يومين، تذكرت قصيدة أنسي الحاج «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع»: «أنت الخفيفة كريش النعام لا تقولين تعال... ولكن كلما صادفتك... كل لحظة أعود إليك بعد غياب طويل».
سحر هذه المغنية، شيرين عبد الوهاب، بسيط وساذج. هي لا تفعل سوى أن تترك نفسها على سجيتها. أحبها المستمعون لدفء صوتها وانصهارها في الكلمات. حارة كرغيف طازج. سمراء متدفقة مثل النيل، لها لطافة بنت البلد وعفوية فنانة تضع موهبتها فوق كل اللياقات. وماذا يعني إذا خانها التعبير؟
ظهرت في بدايتها بشعر قصير وعينين آسيويتين مشروطتين تضجان ضحكاً. ورأيناها في ظهورها الأخير بالشعر القصير ذاته الذي قيل في أسبابه ما قيل. وبين بدايتها قبل عشرين عاماً مع «آه يا ليل» وأغنيتها الأخيرة «كلها غيرانة» جرت مياه كثيرة في الترعة وتغيرت ملامح شيرين. «لوك» جديد مع كل إطلالة. أخبروها أن التنوع مطلوب في سوق الفن. وهي قد استسلمت لمصممي الأزياء وخبراء التجميل الذين تركوا بصماتهم على مظهرها. هل تحتاج خامة صوتها الذهب لتحولات الحرباء؟
هذه المرة مضت المغنية في اللعبة حتى النهاية. ارتدت بدلة رجالية تليق بأعضاء المافيا وأشهرت قوتها ساخرة من خصومها. وضعت يديها في جيبي سروالها ونفخت صدرها وتحدت من يريد بها شراً. إنها المرأة الناضجة المكتوية بالتجارب ومسلسل الخذلان. يبدو جسدها معافى ووجهها قمراً وتعجز طبقات الكحل عن إطفاء لمعة عينيها. شيرين الفنانة في لحظة اكتمالها. ولم تكن فقرة في الحفل بل كان حفلها. تمسك بالميكرفون وتتحدث فيضع محبوها أيديهم على قلوبهم. وحين تخرج المطربة عن نص الأغنية تتسلى بارتكاب الهفوات.
تقول سيرتها إن شيرين سيد محمد عبد الوهاب ولدت في حي القلعة في خريف 1980. ظهرت موهبتها الغنائية في المدرسة، حيث اكتشفها معلمها وأقنع والدتها بأن تذهب إلى سليم سحاب، قائد أوركسترا في دار الأوبرا المصرية. غنت أمامه فأعجب بصوتها وألحقها بالكورال. ظهرت مع المطرب محمد محيي لكن انطلاقتها الحقيقية كانت مع تامر حسني. وكان تامر وجهاً جديداً أيضاً. تشاركا في ألبوم غنائي بيع منه مليونا نسخة. اثنان وإلى يمينها ستة أصفار.
نجاحها المدوي في الغناء أغراها بتجربة التمثيل. ظهرت مع أحمد حلمي في فيلم كوميدي ثم قدمت دورها الشهير في مسلسل «طريقي». كانت تؤدي حياتها الحقيقية. بنت تحب الغناء، تعاندها الظروف لكنها تفعل المستحيل لتثبت هوايتها. وهناك، دائماً، رجل يضع العصي في الدواليب. تزوجت ثلاث مرات وولدت ابنتين وفشلت في الاستمرار مع أزواجها. كانت دجاجة البيت التي تبيض ذهباً. وبعد كل جرح هناك «جرح تاني». قالت بعد طلاقها الأخير إنها لم تعد مستعبدة.
توصف شيرين بأنها مطربة الإحساس. جاءتها الثروة بعد شح. كانت كفيلة بأن تدير أكبر رأس. لكنها أدركت أن موهبتها ثروتها. تنفق بلا حساب وتنفصل عن الدنيا حين تغني. تضع خميرتها في عجين الكلمات. وكل كلمات أغانيها فصول مما عاشت.
«عايزة ألملم قلبي
وأحضن نفسي وأمشي بعيد
لازم أعلم قلبي يقسى
ولازم ينسى
ولازم أعيش».