حياتنا، أشخاصاً ومجتمعات، مليئة بالمفاجآت. صدفة وبدون مقدمات، صُدمنا جميعنا أواخر ٢٠١٩ بظهور «كوفيد - ١٩» بعيداً في الصين، ثم سرعان ما بدأ الفيروس ينتشر عابراً القارات ويقترب من الكل، دولة دولة، بلدة بلدة، وداراً داراً. حياتنا كلها انقلبت رأساً على عقب، روائح الموت في كل مكان، الوظائف ومصالح الناس تعطلت، والجميع بدا يتساءل: متى نعود إلى حياتنا الطبيعية؟
ونحن كذلك، اندلعت أزمة طاقة في العالم وخصوصاً في القارة المتعطشة دوماً لمزيد من الاستهلاك. الأوروبيون الذين اعتادوا الرغد النسبي، بدأوا منذ سنة يتذوقون «الفقر الطاقوي»، إذ زادت فواتير الكهرباء والغاز بنحو النصف، وخبراء الصناعة يقولون إن الأزمة قد تطول إلى ما بعد ٢٠٢٢، ووجد الناس، في أوروبا وغيرها، أنفسهم يكررون السؤال نفسه: متى نعود إلى حياتنا الطبيعية؟
ولأن الأزمات لا تأتي فرادى كما يُقال، فقد حرك «سيد الكرملين»، الباحث عن استعادة أمجاد تاريخية، مطلع ٢٠٢٢، قواته باتجاه الحدود مع أوكرانيا متهماً الغرب بالاقتراب دفاعياً من حدوده السوفياتية المجيدة. حاول الغرب، بقيادة الولايات المتحدة، محاورته، فطلب منهم «ضمانات أمنية» بعدم اقتراب حلفهم (الأطلسي) من حدوده والعودة إلى «الوضع الذي كان سائداً خلال الحرب الباردة». لم يمنحه الأميركيون كل ما أراد، وبدأوا يتهيأون لإرسال «قوات دفاع» لطمأنة الحلفاء في شرق أوروبا، ويتوعدون بعقوبات اقتصادية أقسى من أي عقوبات سابقة. قالوا إن عقوباتهم المقبلة ستطال التكنولوجيا المتقدمة. البعض مرت عليه «الخبرية» بشكل عادي والبعض الآخر تساءل: من يعاقب من؟ بوتين يحبس الأوروبيين منذ سنوات رهائن لديه، إذ يزودهم بنحو ٤٠ في المائة من «طاقتهم»، وإذا أغلق الصنبور فإنه ربما يكون قادراً على إعادتهم لعهد الحطب، رغم أنه هو الآخر ستتقلص موارده ويتضرر.
«سيد البيت الأبيض» المدرك لهذه التفاصيل، بدأ البحث عن ضمان توفير «بدائل» لحلفائه، تحسباً لـ«العقوبات» التي يحبذها كثيراً على الحرب. قيل له إن هناك أنابيب قادمة من النرويج، البلد غير العضو في الاتحاد الأوروبي لدول الاتحاد، وأخرى قادمة من الجزائر. البلد الإسكندنافي والآخر الشمال أفريقي، قالا منذ مدة إنهما يضخان بطاقتهما القصوى. سارع الأميركيون تجاه قطر، البلد غير المرتبط بأنابيب لكنه قادر نسبياً على الضخ أكثر. منح «سيد الأبيض» للإمارة الخليجية الصغيرة صفة «حليف خارج الأطلسي» وأشاد بـ«جهودها الأخيرة في أفغانستان». لم يخف على أي متابع أنها كانت «إِشادة سياسية» هدفها تعويض النقص المرتقب في الطاقة تجاه أوروبا، إلا أن القطريين بدورهم قالوا إن الأزمة كبيرة ولا يمكنهم بمفردهم تلبية الطلب. وعاد السؤال القديم يُطرح مجدداً: متى نعود إلى الوضع الطبيعي؟
على مستويات تحليلية دقيقة، واضح أن ثلاثي «كوفيد - أوكرانيا - الطاقة» بات يدفع بقوة نحو تشكيل نظام دولي جديد. أما على مستوى الحياة العادية، فإننا صرنا ننتقل من أزمة إلى أخرى، ولا نردد سوى سؤال: متى نعود إلى الوضع الطبيعي؟ ووحدهم العارفون يعلقون: وهل هناك فعلاً وضع طبيعي في حياتنا؟
5:11 دقيقة
TT
متى نعود إلى «الوضع الطبيعي»؟
المزيد من مقالات الرأي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة