جوسلين إيليا
إعلامية وصحافية لبنانية عملت مقدمة تلفزيونية لعدة سنوات في لندن وبيروت، متخصصة في مجال السياحة.
TT

كيف الصحة يا كابتن؟

هل تتذكرون حادثة نوم طيارين بنفس الوقت أثناء رحلة قاما بها في أغسطس (آب) الماضي؟ وكيف تركا مهمة القيادة لنظام «التحليق الأوتوماتيكي» لمدة عشرين دقيقة؟ وحينها عنونت مدونتي بـ«نوما هنيئا يا كابتن!» واليوم وبعد أن تمنيت للكابتن نوما هنيئا، أتمنى بأن يكون الكابتن بصحة جيدة وبحالة نفسية مرحة بعد المأساة التي حلت بشركة «جيرمن وينغز» التابعة لشركة «لوفتهانزا» الألمانية التي تتربع على رأس قائمة شركات الطيران العالمية التي تتمتع بمستوى عال من الأمان والأمن ولم تسجل فيها أي حوادث تذكر.
وما حصل مع الطائرة المشؤومة التي لقي ركابها المائة والخمسون حتفهم بعدما تعمد مساعد الطيار أندرياس لوبيتز تحطيم الطائرة (بحسب ما أفادت التقارير التي نشرت)، قد يدعو إلى طرح هذا السؤال «هل من المعقول أن نسأل في كل مرة نسافر فيها ما إذا كان الطيار يشكو من أي مشكلات نفسية؟ وهل من الممكن أن تؤثر مثل هذه الحوادث المأساوية على تغيير رأي المسافرين وتخليهم عن السفر بالطائرة تخوفا من وقوع حوادث مماثلة؟».
إذا أردنا أن نبحث في تاريخ حوادث الطيران سنجد أن هذه هي الحادثة الأولى التي تحدث لشركة طيران أوروبية، وبالتالي هذه هي المرة الأولى التي ينتحر بها طيار أثناء قيادته طائرة تابعة لشركة أوروبية، إلا أنها ليست حادثة الانتحار الأولى في عالم الطيران ولدى الشركات العالمية خارج أوروبا.
أردت التطرق لهذا الموضوع، لأن القصة وما فيها هي أنني وفي طريقي من لندن إلى مدينة سان فرانسيسكو بدعوة من الخطوط البريطانية لتدشين الرحلة الأولى للشركة على متن طائرة «إيرباص 380»، دعاني الكابتن لجولة خاصة لشرح مقومات الطائرة وتعريفي على مختلف الدرجات والخدمات المتوفرة على متن هذا «العملاق الصامت»، ولكن ما لفتني أكثر من مقاعد الطائرة وما تزخر به من تفاصيل جذابة، كانت ردة فعل عدد كبير من الركاب الذين لم يصدقوا أعينهم عندما رأوا الكابتن الذي يضع شارة على قميص يبرز اسمه الذي كتب بجانبه «كابتن» وتلك النظرات كانت كافية لمعرفة ما كان يدور في بالهم: «ماذا يفعل الكابتن هنا؟ من يقود الطائرة؟»، أنا لا أبالغ إذا قلت لكم كم بدا هؤلاء الركاب قلقين، ومعهم كل الحق، فاستدركت الأمر وسمحت لنفسي بأن «أتشاقى» وأطرح سؤالا لطيفا ولكن مبطنا: «كيف الصحة يا كابتن؟ هل أزعجك أحدهم قبل الإقلاع؟ العلاقة على ما يرام مع المدام؟» ورد الكابتن بعد لحظة سكوت، بضحكة عالية سبقت الجواب: «نعم يا عزيزتي أشعر بخير وصحتي ممتازة»، وأضاف: «لا تقلقي، هناك طياران في هذه اللحظة في قمرة القيادة»، وفي كل رحلة على متن طائرة «إي 380» يوجد ستة طيارين لأن الرحلات تكون طويلة.
وبعد اطمئناني على صحة الكابتن، فكرت من جديد، هل يعقل أن تؤثر حادثة لعب القدر فيها دورا كبيرا، في التأثير على المسافرين وثنيهم عن السفر، عندما تقع حادثة بهذا الحجم، تصدر تخمينات تشير إلى تدني عدد الركاب وتأثر شركات الطيران من جرائها، ويتم حجز الحصص الخاصة التي تنظمها شركات الطيران لتقوية قلوب المسافرين الذين يخافون من السفر بالطائرة بالكامل، ولكن سرعان ما ينسى المسافر وتعود المياه إلى مجاريها.
الأعمار بيد الله وليس بوسعنا إلا أن نقول: «عسى أن تكون بصحة بدنية وعقلية ونفسية وعاطفية.. جيدة وجيدة جدا يا كابتن»!