بدر بن عبد الله بن فرحان
وزير الثقافة السعودي
TT

زرقاء اليمامة وغالية البقمية على خشبة المسرح

لأنَّه «أبو الفنون» أحد أعرق وسائل التعبير الفني والإبداعي التي عرفتها البشرية، حضر المسرح وفنونه الأدائية في الإطار العام للاستراتيجية الوطنية للثقافة باعتباره «قطاعاً ذا أهمية عالية»، وذهبت وزارة الثقافة إلى تصنيفه ضمن 16 قطاعاً فرعياً ستتركز عليها جهودها وأنشطتها، وحضرت الفرقة الوطنية للمسرح ضمن أول حزمة من المبادرات الثقافية، حتى جاءت موافقة مجلس الوزراء على تأسيس 11 هيئة ثقافية، من بينها هيئة المسرح والفنون الأدائية.
حكاية المسرح والفنون الأدائية في المملكة لافتة ومُلهمة في تفاصيلها، فالكتابة المسرحية بدأت قبل ظهور المسرح نفسه في البلاد، فمنذ كتابة مسرحية «الظالم لنفسه» عام 1932، حتى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي التي انتعش فيها المسرح، سنوات من إبداع الكتاب والأدباء السعوديين مثل حسين سراج وأحمد عبد الغفور عطار وعبد الله عبد الجبار ومحمد مليباري وعبد الله بوقس وعصام خوقير وغيرهم من المبدعين، «كتبوا مسرحياتهم لتُقرأ» وليرسموا طريقاً للأجيال القادمة، كما ساهمت قيادات تعليمية محلية في دعم حركة المسرح عبر المدارس والتعليم مثل صالح بن صالح. مضت مرحلة التأسيس والنمو بتباين ملحوظ، ولم تعد حالة المسرح والفنون الأدائية اليوم في السعودية مُرضية لكثير من مبدعي القطاع ومتابعيه.
وشهد عام 2019 ارتفاعاً نسبياً في نسب البالغين الذين حضروا مسرحية واحدة على الأقل، الذي ترافق مع النشاط المسرحي المتصاعد في الفعاليات الثقافية والترفيهية في ذلك العام، ما يؤكد أنه متى ما توفر المُنتَج الجيد فإن الجمهور شغوف بالفنون.
وتشير الأرقام الدولية إلى أن أمامنا الكثير لننجزه، حيث لا تتجاوز أماكن العرض التي تقام فيها أنشطة المسرح والفنون الأدائية لكل مليون فرد في السعودية 1.5 مقابل 20 في المملكة المتحدة، و3.4 في سنغافورة، و3.2 في فرنسا، و2.5 في الصين.
وتشير الأرقام أيضاً إلى أن إجمالي عدد عروض المسرح والفنون الأدائية لكل مليون نسمة في السعودية لا يتجاوز 16 عرضاً لعام 2019، بينما وصلت في بريطانيا إلى 944، وفي فرنسا إلى 858، والصين إلى 797، وسنغافورة إلى 689 عام 2018.
وأمام التحديات التي تواجه القطاع، التي يأتي من أهمها تحديات بناء القدرات والبنية التحتية والحوكمة والتمويل واللوائح التنظيمية والتراخيص والتقنية، توجد الكثير من الفرص التي لم تستثمر على النحو الأمثل، ففي القطاع التعليمي - على سبيل المثال - هناك مساحات هائلة للاستثمار في تنمية وبناء المواهب والقدرات في القطاع التعليمي، بالشراكة مع الجهات المعنية، إضافة إلى تنمية مهارات الممارسين.
لقد وضع زملائي في الهيئة ضمن مستهدفاتهم لـ2030، تخريج 4500 طالب وطالبة متخصصين في القطاع عبر التعليم العالي وأكاديمية متخصصة في المسرح والشراكات مع الجامعات وبرنامج الابتعاث الثقافي الذي أطلقته الوزارة، وفي الوقت ذاته ستعمل الهيئة على اكتشاف المواهب وتقديرها، فيما تذهب المستهدفات إلى وضع ركائز أساسية في دمج أنشطة المسرح والفنون الأدائية في مناهج التعليم التي يستفيد منها ملايين الطلاب عبر تدريب ما يزيد على 25 ألف معلم ومعلمة ليكونوا مشرفي نشاط مسرحي في التعليم العام، إضافة إلى تدريب 4200 متدرب عبر تطوير الكفاءات المهنية بالتدريب على رأس العمل أو برامج التدريب المهني.
ولأن اللوائح التنظيمية والتراخيص بوضعها الحالي تشكل تحدياً، فإن الهيئة ذهبت في استراتيجيتها إلى تنمية القطاع أيضاً عبر تبسيط وتسهيل إجراءات الترخيص بأسلوب واضح ومرن وبعيد عن التعقيد، فمنح تصاريح المحتوى سيكون دون الحاجة للموافقة على النصوص مع وضع توجيهات واضحة لذلك، كما أننا نعول على الالتزام الذاتي لمبدعينا.
تذهب الاستراتيجية إلى زيادة إنتاج المحتوى وضمان إمكانية الوصول وتحفيز المتلقي، عبر تعزيز كميته وتنوعه، وزيادة أعمال الإنتاج المحلي وتنوعه مع ضمان تحقيق أعلى معايير الجودة، وضمان إمكانية الوصول للقطاع، وزيادة الوعي لدى الجمهور والممارسين محلياً ودولياً بالقطاع في السعودية، وزيادة مستوى إقبال الجمهور على القطاع على مستوى جميع المناطق والشرائح الاجتماعية والفئات العمرية المختلفة.
كما سيكون لمؤسسات القطاع الثالث والجمعيات المتخصصة دور بارز في عملية تطوير القطاع، كما هو الحال مع القطاع الخاص.
نريد أن نصل بالقطاع من حيث الإنتاج إلى رفع العروض الأدائية في المملكة لعام 2030 إلى نحو 9920 عرضاً تمثل منها المسرحيات 33 في المائة، وتأخذ العروض الكوميدية الحية والعروض الأدائية للفلكلور الشعبي والمسرحيات الغنائية والعروض التجريبية والسيرك والأوبرا وغيرها حصة معتبرة منها، للمساهمة في الناتج المحلي لقطاع الثقافة، وزيادة عدد العاملين فيه، وفتح آفاق عديدة تمكن القطاع الثقافي من تقديم خيارات كثيرة تدعم جودة الحياة.
نريد أن يستضيف المسرح السعودي أهم العروض العالمية، ونريد مسرحاً متنوعاً وجاذباً وذا جودة عالية، ومؤثراً عالمياً، ويعكس قصصنا الخالدة الغنية بالثقافة والفنون، أتخيل أن أجد زرقاء اليمامة وغالية البقمية وراكان بن حثلين والكثير من أبطال بلادنا على عتبة المسرح، وتجسد قصصهم على خشبات المسارح حول العالم، وفق أعلى المعايير الفنية والثقافية، وما ذلك ببعيد على همة السعوديين وطموحهم.